خالد بن حمد المالك
لا خلاف على أن هناك إجماعاً دولياً على أن تكون البحار والممرات المائية آمنة، وأن أي تهديد لأمنها إنما هو تهديد لحركة الشحن، ومنع مرورها الآمن، وتعريضها للإصابات، وبالتالي امتناع عدد كبير منها من أن تكون حركتها منتظمة في ظل التهديد الذي تواجهه.
* *
تعريض سلامة البواخر للخطر، وتهديد من يقدم على المرور عبر الممرات المائية، والتأكيد على أن أي مخالف سيكون عرضة للصواريخ والطائرات المسيَّرة، ما لم يتجاوب مع التهديدات والتحذيرات المعلنة، ويتوقف عن تسيير البواخر عبر الأهداف والممرات المحددة.
* *
هذا العمل غير المنضبط، والذي يخالف القوانين الدولية، وأنظمة تسيير البواخر، وبالتالي اقتصار الحركة الملاحية على عدد محدود منها تحت وطأة التهديد، وإمكانية إصابتها وتعريضها للخطر أفقد البحار أمنها وسلامة المرور فيها، وجعلها تحت نيران من يستهدفها، كما يحدث الآن في البحر الأحمر.
* *
ومثل هذا العمل غير المقبول، والممارسات التي تخالف الأعراف والقوانين الدولية، رفعت من أسعار المواد بفعل رفع سعر التأمين، ما جعل دول العالم في حالة تضرر، دون أن يتم كبح ما تقوم به العناصر من استهداف لكل حركة في البحر ضمن أهدافها المحددة.
* *
وما يجري في البحر الأحمر من قبل الحوثيين، ومواجهته من قبل عدد من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها لا يعدو أن يكون تحالفاً لاستعراض القوة، والاكتفاء بمناوشات مع الحوثيين، والتأكيد على أن ما يقوم به التحالف إنما هو دفاع عن النفس، وليس القضاء على مصدر التهديد، أو وضع نهاية لهذا النوع من التهديد للأمن في المنطقة.
* *
أمريكا تحديداً تريد أن تبقى ميليشيا الحوثيين، وتحاول أن تحتويها، سواء من خلال محدودية الرد على تجاوزاتهم العسكرية، أو من خلال الكلام المرن، مع علمها بأن الحوثيين هم إحدى أدوات إيران في المنطقة.
* *
والحوثيون مع ما يظهرونه من عداء لأمريكا منذ سنوات، وتقبّل أمريكا لما يعبّرون به عن موقفهم من واشنطن، لا نجد ردود فعل أمريكية غاضبة، ما يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، ووراء هذا التعامل المرن مع الحوثيين مصالح لأمريكا (ربما!) بحسب قراءتنا ومتابعتنا للمشهد.
* *
فأمريكا تعلن أن سلاح الحوثيين ومالهم من إيران، وأن مصدر العدوان على السفن من مواقع وجود الحوثيين، ومع ذلك لا تصنفهم كإرهابيين، فقد سحبت عنهم هذا التصنيف، بعد وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض ثم تمت إعادته منذ تعرضهم لسلامة الملاحة في البحر الأحمر، مع وعد أمريكي بأنهم لن يكونوا كذلك إذا توقفوا عن إطلاق صواريخهم ومسيّراتهم.
* *
أمريكا دولة يحار المرء كيف يصنّفها، وكيف يتعرّف على أهدافها وسياساتها، فهي تتغيَّر وتتلوَّن وفقاً لمصالحها، حتى مع أي دولة صديقة أو حليفة لها، فما يهمها مصالحها أولاً حتى ولو كان ذلك على حساب من يُقال إنهم حلفاء وأصدقاء، وبالتالي فلا يُؤمن شرها، ولا ينتظر منها الخير.
* *
فأمريكا لو أرادت لقضت على التهديد الحوثي لأمن البحر، لكنها لا تريد، وهي قادرة على تأمين سلامة المرور بالبحر الأحمر، لكنها لا تريد ذلك أيضاً، وما تفعله الآن هو لتأمين حركة المرور فقط، دون الإضرار بالقوة الحوثية، حتى تبقى المنطقة في حالة توقع وانتظار لما هو أسوأ.