محمد بن إبراهيم الحسين
تتوارث الكائنات الحية أنواعها وبنيتها وأعضاءها الداخلية والخارجية وأشكالها وصفاتها بالتلاقح الذي يتيح انتقال المعلومات الوراثية المخزنة في الجينات التي تنتظم على شكل لولب مزدوج يشمل الكروموسومات المكونة من الحمض النووي (دنا: DNA) الذي يتواجد داخل خلايا كل الكائنات الحيَّة والفيروسات ويحتوي على المعلومات الوراثية، وتشكل الأحماض النووية والبروتينات والليبيدات والسكريات لبنات الحياة الأساسية.
ومن الاكتشافات الحديثة في محال الوراثة اكتشاف توريث الذاكرة بين الأجيال بواسطة الحمض النووي الريبوزي RNA، وتم إثبات ذلك بتعليم ديدان ثم سحقها وإطعامها لديدان أخرى فورثت بعض صفاتها وسلكت بعض سلوكياتها وأتقنت بعض خبراتها!
كما تم اكتشاف توريث الصفات الأخلاقية والسلوكية والسمات النفسية وانتقال تلك الصفات بين الأجيال، حيث تتخصص بعض الجينات بحمل الصفات الأخلاقية كالصدق والكذب والأمانة والخيانة والشجاعة والجبن!
كما أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة تبادل الخلايا الحاملة للصفات الوراثية بين الأم وجنينها وانتقالها من المرضعة إلى رضيعها؛ حيث يحدث الانتقال بشكل متبادل بين الأم والجنين أثناء الحمل، وتم اكتشاف الخلايا الجنينية داخل دماغ الأم وأعضائها الأخرى بعد سنوات عديدة من ولادة طفلها، ورغم أن ذلك يحدث أثناء الحمل عبر المشيمة إلا أنه يستمر بالحدوث بواسطة حليب الأم أثناء الرضاعة بانتقال الخلايا الجذعية من المرضعة إلى رضيعها عبر الحليب ووصولها إلى مختلف الأعضاء بما في ذلك الدماغ، فيصبح جسم الطفل محتوياً على أجزاء من جسم الأم؛ وهنا يتضح هدي الإسلام في تحريم زواج الرجل من أخته بالرضاعة قبل اكتشاف انتقال الخلايا الجذعية الحاملة للصفات الوراثية من المرأة إلى رضيعها بأكثر من 1400 عام؛ قال النبي -عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). والعجيب أن العامة في نجد اكتشفوا ذلك قبل اكتشاف علماء الغرب له بمئات السنين، حيث يقول الشاعر:
العرق يجذب ياعشيري والالبان
والحنظلة ما ترث إلا ثمرها
ويقدر بأن الطفل يولد ولديه حوالي 400 سمة السمات النفسية منها سلوكيات فطرية تطورت عبر ملايين السنين وخصائص أخلاقية وسلوكية ونفسية تتشكل بتأثير عوامل عقلية تتعلق بالتركيب العصبي والتركيبة الكيميائية للدماغ وتختزن في التركيبة الجينية وتنتقل بالآلية الوراثية!
وبما أن العلم اكتشف انتقال الصفات الوراثية بواسطة الغذاء كما في حالة الرضاعة، وتوريث الذاكرة كما في تجربة سحق الديدان وإطعامها لديدان أخرى، وتوريث الصفات الأخلاقية والسلوكية عبر جينات مختصة؛ وأعتقد -باجتهاد شخصي رغم عدم تخصصي- بوجود آلية حيوية «ديناميكية» يتم فيها نوع من التواصل بين الجينات والبيئة المحيطة عبر الحواس، مما يؤدي إلى تأثير البيئة المحيطة على الجينات ثم توارث ذلك التأثير على شكل تغيرات في البنى الجسدية تنتقل من الأسلاف إلى الأخلاف بالتكاثر الجنسي ويتم توارثها عبر الأجيال؛ حيث إن الأنواع المعقدة والمتقنة من التموية تتجاوز آلية الاصطفاء أو الانتخاب الطبيعي العشوائية إلى آلية أكثر تعقيداً لا يمكن تفسيرها بتأثير طفرات عشوائية واصطفاء أعمى، وإنما بتفاعل بين البيئة والجينات.
كما أتوقع إعادة إحياء النظرية اللاماركية المتعلقة بآلية نشوء واختفاء وتشكل الأعضاء وفق البيئة وحسب الاستخدام والإهمال، وتخزين الصفات العضوية المكتسبة والتغيرات في أشكال الأعضاء التي اكتسبتها الكائنات الحية خلال حياتها جينياً وانتقالها عبر الأجيال وراثياً، وهي الآلية التي يطلق عليها مسمى: النظرية «اللاماركية» لعالم الأحياء جان لامارك، والتي استبعدت كما استبعد الثابت الكوني في النظرية النسبية لعالم الفيزياء ألبرت آينشتاين، حيث أتوقع إعادة إحياء النظرية اللاماركية بشكل محدث كما تم إعادة إحياء الثابت الكوني في النظرية النسبية على شكل «مادة وطاقة معتمة».
ومع التطور العلمي ستندمج عدد من الخواص في إطار واحد يتضمن ما يلي:
- نظرية توريث الذاكرة.
- تخصص بعض الجينات بتخزين وتوريث الصفات الأخلاقية والسلوكية.
- توريث الصفات العضوية والأخلاقية والسلوكية المكتسبة.
- نشوء واختفاء وتشكل الأعضاء بتأثير البيئة وحسب آلية الاستخدام والإهمال وانتقال الصفات العضوية المكتسبة وراثياً عبر الأجيال.
- وجود الذكاء خارج الأدمغة!
- آليات التمويه المتقنة والذكية.
- التشابه بين أشكال البنى الكونية والظواهر المناخية وأجساد الكائنات الحية وتركيب الأعضاء البدنية.
- التشابه بين أشكال بعض أنواع المحاصيل الزراعية والأعضاء البدنية للكائنات الحية وفائدة كل غداء للعضو الذي يشبهه.
ومع تقدم الدراسات والأبحاث وربط تلك الملاحظات والخواص والنظريات سيتم التوصل إلى استنتاجات مذهلة وبلورة نظرية ثورية حول نشوء الكون والكائنات وكشف علاقة الكون اللاحي بالكائنات الحية.