د. سامي الدجوي
لقد شاهدنا سلوكيات تصدر من الآخرين نرى أنها غير مقبولة لدينا. وبعض هذه السلوكيات قد تصل إلى أن تكون مزعجة لنا، مثل أن نشاهد موظفًا في قطاع حكومي تعامل مع مراجع بأسلوب فظ. عند رؤيتنا لهذا السلوك فإننا نعتبر أن هذا غير مقبول، فنحكم على هذا الموظف بأنه فظ التعامل وسيئ الخلق وربما نحاول تجنب التعامل معه. هذا الحُكم السريع - إنه سيئ الخُلق - على هذا الموظف كان بناءً على هذا الموقف، لكن هذا الحكم الظاهري قد يكون غير عادل. فلماذا قلنا إنه غير عادل؟
قلنا ذلك لأننا لم نُلم بكامل تفاصيل الموقف، ولم نعرف السبب الخفي وراء السلوك الظاهري للموظف، ولا المؤثّرات الخارجية على هذا الحدث، لذا فإننا من غير العدل أن نحكم على هذا الموظف من موقف واحد أنه سيئ الخُلق، فهو قد يكون في الكثير من المواقف غير ذلك تمامًا. لذلك فإن الإدارة الواعية وقادة المنظمات ذوي الإدراك العالي لا يصدرون أحكامًا بهذه الطريقة وبهذه السرعة. فهؤلاء القادة يفهمون أن أي سلوك يصدر من شخص ما فإنهم لا يتسارعون بالحكم عليه لأنهم يعلمون بأنهم يجهلون أسباباً كثيرة وراء سلوك هذا شخص في هذا الموقف. لذلك فإنهم يعلمون بأن هذا السلوك قد يكون ردة فعل مقارب أو مساوي لسلوك الآخر، لذلك فإن عليهم بذل الجهد في التفكير والتحليل وجمع المعلومات حول معرفة ذلك السبب. فتجدهم يتساءلون: لماذا تصرف هذا الشخص بهذه الطريقة في هذا الموقف؟
يساعد السلوك التنظيمي - أحد فروع علم الإدارة - على معرفة التفسير الحقيقي والخفي وراء أي سلوك، ويُقدم تفسيرًا دقيقًا إلى حدٍ كبير للسلوكيات، ولا يقف عند سلوك شخص واحد، بل سلوك مجموعة من الأشخاص سواء كانوا مدراء أو موظفين أو عملاء/ مراجعين. هؤلاء القادة يستخدمون عناصر متنوعة تساعدهم على التفسير الدقيق لسلوك الآخرين. يمكن تقسيم هذه العناصر إلى مجموعتين بناءً على مصدرها، وهما: عناصر داخلية وعناصر خارجية. يُقصد بالعناصر الخارجية أي أنها عناصر صادرة من البيئة الخارجية للموظف وهي مؤثّرة عليه ولا يملك التحّكم فيها. من ضمن هذه العناصر: قلة أو عدم توفر المعلومات عند اتخاذ القرارات. ففي حالة ذلك الموظف، فقد يكون سبب أسلوبه الفظ أنه ليس لديه المعلومات الكافية أو الدقيقة لتقديمها لذلك المراجع.
أما العناصر الداخلية فهي عناصر صادرة من داخل الشخص، وهو المسؤول عنها وهي محفزة لسلوكه. فمن ضمن تلك العناصر الداخلية المحفزة على سلوك الشخص هي وعيه. والواعي هي قدرة الشخص على ملاحظة حالته الداخلية ومزاجه والتفكير فيها. وفي حالة ذلك الموظف، فإن درجة وعيه في التعامل في الموقف قد تكون غير مرتفعة. فربما لا يعرف ذلك الموظف أن هناك أساليب أخرى غير التعامل الفظ يمكن التعامل فيها مع المراجع.
وبعد توضيح أن هناك أسباباً داخلية (مثل قلة الوعي) وأسباباً خارجية (مثل نقص المعلومات)، من المهم توضيح أن قادة المنظمات الأكثر إدراكًا عليهم أن لا يُصدروا أحكامًا على الآخرين بناءً على سلوكهم الظاهر، فأي سلوك حتى يتم الحكم عليه بشكل دقيق وصحيح عليه أن يخضع للملاحظة والتحليل والقياس من قِبل قادة المنظمة أو من قِبل متخصصين في مجال السلوك التنظيمي.