منى السعدي
قد نصادف في حياتنا بعض الأشخاص الذين يعتمدون على الحيلة المذمومة في تعاملهم والحصول على رغباتهم، وهنا تبدأ نظرة الاندهاش والاستغراب بداخلنا ليس في تصرفهم فقط، وإنما في العالم المحيط بهم الذي يحفزهم على هذا الفعل في نفوسهم، لا نعلم حينها هل عقل الحيَال ساذج أم عقول من تصدقه هي الساذجة.
لقد حاولنا مرارًا وتكرارًا تغيير تلك العادة في أساليبهم ولكن تنتهي تلك المحاولات دون فائدة تجنى.
نقصد بالحيلة هي الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى بلوغ المراد بحيث لا يفطن لها إلا بنوع من الذكاء، وقال الأصفهاني: (والحيلة ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية).
تستعمل الحيلة أغراضاً مذمومة شرعًا وعقلًا وعادة وهذا المعنى هو الغالب المتعارف فيه عند الناس كقولهم: فلان من أرباب الحيل، ولا تتعاملوا معه فإنه محتال، وفلان يعلم الناس الحيل.
ومن الطرق ووسائل الحيلة الخفية المذمومة هي التي تسقط بها حقًّا لله تعالى أو حقوق وواجبات الناس فهي من هذا القبيل، كحيل اليهود التي من أجلها لعنهم الله تعالى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل).
ومن معاني الحيلة المذمومة المكر والخديعة والكيد، فهي ألفاظ متشابهة وتطلق على كل فعل يقصد منه فاعله خلاف ما يقتضيه الظاهر ويقصد به فاعله إنزال مكروه بمن لا يستحقه.
لقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم منها في قوله: (الخديعة في النار) أي تؤدي بفاعلها إلى النار.
وهناك فعل الحيل المحمودة وهي التي يقصد بها فاعلها إلى استدراج غيره لما فيه مصلحته كما يفعل بالصبي أو المريض إذا امتنع من فعل ما فيه مصلحته كشرب الدواء.
والفرق بين الحيلة المذمومة والمحمودة كالفرق بين النور الذي تستضيء به والظلام الذي يسود ويطمس رؤيتك.
والناس تذم كذلك العاجز الذي لا حيلة له لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه، فالحيَال المذموم نراه ماكراً ومخادعاً، والثاني العاجز تراه عاجزاً مفرطاً.
ومن الحيل المذمومة والسلبية التي قد نراها في حياتنا سواءً كان في مجال العمل أو العلاقات في محاولة تشويه صورة الأشخاص عند الغير للحصول على غاية محددة من خلفهم، لذلك يجب علينا أن نحرص دائماً على تجنب مثل تلك الأمور التي قد تؤثِّر على ذاتنا وعلى ذوات غيرنا وأن نسعى دائمًا إلى المعاملة الحسنة الفاضلة التي وصانا الله بها في قوله: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (سورة البقرة: 195).