علي الخزيم
شهر رمضان الكريم فرصة طيبة لترويض النفس والجوارح؛ كما أن الشهوات هي الأولى أن تُضبط خلاله ويُكبَح جماحها المُنطلِق طيلة أشهر السنة، ولن تجد أشجع مِمَّن يتحكَّم بشهواته وميول نفسه لرغد العيش وللراحة بغير مكانها أو ديمومتها وتأثيرها السّلبي على بقية مُجريات ومتطلبات حياته، ومن لم يكن جسوراً أمام نفسه لن يُفلح أمام غيرها، ورمضان مجال رحب لاختبار النفس وممارسة الشجاعة الذاتية اللطيفة.
- وللشاعر المَطبوع (سَلْم الخاسِر):
(من راقَب الناس مات همَّاً
وفاز باللذة الجَسُور)
وهو تلميذ بشَّار بن برد، وهنا تفسير قد يغيب عن المُتصفّح العَجُول؛ وهو أنه من كان جسوراً على التمتّع بالمَلذات ولا يأبه لرأي أحد فقد يفوز بها بينما يتجنبها من كان يَخشَى عواقبها، ولتسميته بالخاسر قصة؛ تِلك أنه حينما تُوفي والده عمرو كان من نصيب إرثه مصحف أبيه؛ غير أنه رفضه واستبدله بكتاب من أشعار والده؛ فسُمّي بالخاسر، وكان (سَلْم) شاعراً مُجِيداً للشعر لا يَتَكلّفه فهو مَطبُوع على ذلك.
- فمن حِكمة الصوم التي أرادها الله سبحانه لنا تطهير القلوب وتزكية الأنفس وتفريغ الضمائر من الأحقاد والغِل والكراهية والتحاسد والتباغض، وإحلال المحبة والإيثار وحسن العشرة؛ وتقوية أواصر الرَّحم وبِر الأقربين ومن يَلِيهم، لتملأ هذه المكارم أوعية النفس والقلوب والمشاعر التي مَحَّصها وخَفَّف عنها الصوم خلال الشهر الفضيل، فلو التزم أكثرية الناس تطبيق المبادئ الراقية والسُّنن التي حث عليها الشارع الحكيم: لاقترب المجتمع إلى المثالية المنشودة.
- إذن فالشجاعة المناسبة هنا هي ما يخالف رأي الشاعر آنف الذِّكر؛ فمن الشجاعة الحَقَّة مواجهة النفس والوقوف ضد وسوساتها ومَيلها للدَّعَة والراحة وتتبع الشهوات الغريزية أثناء الصيام؛ والمبالغة بطلب أطايب الطعام والشراب بعد الإفطار، فمن أراد أن يُكتَب شجاعاً ويكسب أجر شجاعته فليتخذ الأسباب خلال الشهر الكريم لترويض نفسه ومشاعره وأعصابه لتَقِف صلبة أمام المَلذَّات والخلافات والشقاق والعناد، ولَجْمها وأطرِها أطراً لإبعادها عن الشبهات والمحرمات، فرمضان يقدم لنا الفرص الثمينة.
- وكما أن ترويض النفس والمشاعر مَطلب شرعي راقٍ؛ فإن ترويض البَدَن مطلب لتمام الصحة والتَّمتع بما وهبنا الله جل شأنه من جوارح وأحاسيس وقدرات، فترويض النفس لا يتعارض مع رياضة الجسم؛ فكلها تندرج تحت عنوان الصحة العامة وهي من المُعِينات على الطاعة وحسن التَّعبد لله سبحانه، فلا نركن للسَّكِينة البدنية بحجة الصوم فهو رياضة وجدانية نفسية بدنية بالنهار والليل، وفي ليالي رمضان يُفضَّل ممارسة رياضات خفيفة أقلها المشي بأوقات مناسبة.
- والصوم بلا مُمَاراة: يكون فرصة مُواتية للإقلاع عن عادات غير محببة أو ربما محرمة مثل التدخين بأنواعه؛ وكذلك اجتناب ما قد يقع به الإنسان المُبتَلى من مَضَار الكحوليات والمخدرات وما ماثلها، فيجمع المرء بين الأجر بالصيام والمثوبة عند ترك المَنهِي عنه ويجلب لجسمه ونفسه الصحة والنقاء وراحة البال، كما سيشعر بأنه فرد نَقِي ناجح بأسرته ومذكور بالخير والصلاح بمجتمعه، ولِبَهاء الدين زهير:
(ومن يغرِسِ المعروفَ يَجنِ ثِمارَهُ
فَعاجله ذِكرٌ وَآجِلُهُ أَجرُ)!