رمضان جريدي العنزي
من كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة، لقد أصبح مثلاً شهيراً صالحاً لكل زمان ومكان، ومن ثم لا بد أن يعلم من كان بيته هشاً وواهناً ويشبه الزجاج في رقته وسهولة كسرة أن يتوقف عن مهاجمة الناس، ورشقهم بالحجارة والكلام والانشغال بهم، قمة الغباء والتبلّد أن يجعل الإنسان همه مراقبة الناس وتتبعهم والخوض في تصرفاتهم وشؤونهم وأحوالهم وعثراتهم وسقطاتهم. إن النفوس الراقية والصلبة، قادرة على السمو والبعد عن هذه الترهات، الأصل في العلاقات البشرية أن تكون طبيعية، كريمة وراقية وأنيقة، لكن من التفاهات والسخافات التي يقوم بها البعض هو ممارسة التلصص والاستراق والبحث والمراقبة والتحرّي، فيعيش تبعاً لذلك، لا يهدأ له بال، ولا يغمض له جفن، يحاول أن يرد الصاع صاعين، والنقد نقدين، يعيش حياته بقلق وتوتر وتفاعل مؤذ للنفس وللغير. إن الحياة الطبيعية أرقى وأنبل من أن ينزل بها البعض إلى المستويات الدنيا، عبر السفاهات والتفاهات والترهات من القول أو الفعل، يجب أن يرتقي الفكر والتعامل في العلاقات الاجتماعية بعيداً عن الحقد والحسد والتباغض، جاء عن الإمام الشافعي ضمن سياق كلام الناس: (ضحكت وقالوا ألا تحتشم، بكيت فقالوا ألا تبتسم، بسمت فقالوا يرائي بها، عبست فقالوا بدا ما كتم، صمت فقالوا كليل اللسان، نطقت فقالوا كثير الكلام، حلمت فقالوا صنيع الجبان، ولو كان مقتدراً لانتقم، بسلت فقالوا لطيش به وما كان مجترئاً لو حكم، يقولون شذ إن قلت لا، وإمعة حين وافقتهم، فأيقنت أني مهما أردت رضا الناس لا بد أن أذم). إن من أخطر الأمراض التي يُصاب بها البعض الغفلة عن النفس وتزكيتها، والانشغال بتتبع عيوب الآخرين، وتلك لعمري صفة ذميمة وقبيحة وبائسة، تقود المرء إلى عظائم الذنوب والآثام، وتجره إلى قبائح الصفات، ورذائل النعوت. إن الواجب على الإنسان الاهتمام بنفسه ومجاهدة إصلاحها، والسعي في نجاتها وفلاحها، وأن الناس جميعاً أصابوا وأخطأوا لن يغنوا عن المرء من الله شيئاً، قال الشاعر:
عجبتُ لمَن يبكي على موت غيره
دُمُوعًا ولا يبكي على موته دَمَا
وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره
عظيمًا وفي عينيه عن عيبه عَمَى