خالد أحمد عثمان
قد تستأجر الدولة ممثلة في وزاراتها وهيئاتها وأجهزتها المختلفة عقاراً من الغير سواء كان فرداً أو شركة من شركات القطاع الخاص، وقد تؤجر الدولة عقاراً من عقاراتها للغير، فما هي الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات التي تنشأ من عقود الإيجارات الحكومية؟... هل هي المحاكم العامة أم المحاكم الإدارية في ديوان المظالم؟.
ذهبت إحدى المحاكم العامة إلى أن الاختصاص معقود لها في قضية رفعتها إحدى الجامعات الحكومية ضد أستاذ كان يعمل لديها وانتهت علاقته بها لتقاعده وطلبت منه الجامعة إخلاء المنزل المؤجر له من قبلها، لكن المدعى عليه طلب من الجامعة إعطاءه مهلة حتى ينتهي من بناء منزله الخاص، وأنه ملتزم بدفع الأجرة المحددة وأن شغله العقار لم يلحق الجامعة بأي ضرر لوجود عدد كبير جداً من البيوت الشاغرة. وإزاء تمسك كل طرف بموقفه فقد رفعت الجامعة دعوى ضده أمام المحكمة العامة تطالب فيها الحكم بإلزام المدعى عليه بالإخلاء.
أبدى المدعى عليه دفعاً شكلياً لرد الدعوى وهو أن الدعوى لاتدخل ضمن اختصاص المحكمة العامة وإنما ضمن اختصاص المحكمة الإدارية مستنداً في ذلك إلى ما يلي:
إن الفقرة (د) من المادة (13) من نظام ديوان المظالم التي جعلت من اختصاص المحاكم الإدارية الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها، ولاشك أن العلاقة الإيجارية بين الجامعة ومنسوبيها بشأن مساكن الجامعة التي يشغلونها هي من قبيل العقود الإدارية باعتبار أن الجامعة جهة حكومية. وأضاف أن مما يؤكد اختصاص المحاكم الإدارية بعقود الإيجار التي تكون الجهات الإدارية طرفاً فيها سواء أكانت مستأجرة أو مؤجرة أن المادة (16) من نظام استئجار الدولة للعقار وإخلائه نصت باختصاص ديوان المظالم بالفصل في جميع المنازعات التي تنشأ عن تطبيق هذا النظام. كما أن لائحة التصرف في عقارات الدولة الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة العامة لعقارات الدولة رقم (ق 14-6-2020 وتاريخ 20-09-1441 قد نصت في مادتها السبعين على اختصاص المحكمة الإدارية بالفصل في جميع المنازعات التي تنشأ عن تطبيق هذه اللائحة.
رفضت المحكمة العامة هذا الدفع الشكلي وقررت اختصاصها بنظر الدعوى لأنها تتعلق بعقار وحكمت بإلزام المدعى عليه بإخلاء المنزل وتسليمه للجامعة المدعية. وقد أيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم فأصبح نهائياً.
وهنا لنا وقفة للتعليق فنقول، وبالله التوفيق، ما يلي:
لا جدل أن المحاكم جميعاً في الدولة لها ولاية القضاء لكن المشرع وزع هذه الولاية بين جهات القضاء طبقاً لمعايير محددة.
وباختصار شديد أقول إن الاختصاص القضائي ينقسم إلى قسمين رئيسين، اختصاص متعلق بالنظام العام ويكون كذلك إذا كان مقرراً لمصلحة عامة قدرها المشرع من أجل حسن سير القضاء وتحقيق الهدف منه وبالتالي لا يجوز مخالفته.
فمثلاً الاختصاص النوعي يعتبر من الاختصاص المتعلق بالنظام العام لأنه يهدف إلى تحديد اختصاص كل جهة قضائية بدعاوى معينة فمثلاً لايجوز للمحاكم العامة أن تنظر في المنازعات التجارية التي قرر النظام اختصاص المحاكم التجارية بالفصل فيها، وإذا أصدرت محكمة حكماً في قضية غير مختصة فيها نوعياً فإن هذا الحكم يعتبر باطلاً. بل منعدماً ومن ثم لا يكتسب حجية الأمر المقضي.
والقسم الثاني هو الاختصاص غير المتعلق بالنظام العام ويكون كذلك إذا كان مقرراً لمصلحة الخصوم أو أحدهم، فمثلاً تقضي القاعدة العامة في الاختصاص المحلي أو المكاني أن ترفع الدعوى أمام محكمة موطن أو محل إقامة المدعى عليه فإذا رفع المدعي دعواه أمام محكمة موطنه فمن حق المدعى عليه أن يدفع برد الدعوى لعدم الاختصاص المحلي ومن حقه أيضاً أن يتنازل عن هذا الدفع ويقبل التقاضي أمام هذه المحكمة.
ولقد أخذ المشرع السعودي بنظام ازدواج القضاء بإيجاد جهتين للقضاء، جهة القضاء العادي وتتمثل في المحاكم العامة والتجارية والعمالية وغيرها، وجهة قضاء إداري وتتمثل في المحاكم الإدارية في ديوان المظالم للفصل في المنازعات التي تكون الجهات الإدارية (الحكومية) طرفاً فيها. ووضع المشرع القواعد اللازمة لكيفية حل تنازع الاختصاص بين جهات القضاء.
وبعد هذه المقدمة نعود إلى موضوع الاختصاص القضائي في القضية التي نحن بصددها فنقول:
إن المحكمة العامة قررت اختصاصها بنظر الدعوى لأن موضوعها يتعلق بعقار، وهذا الاختصاص صحيح لو كان جميع أطراف الدعوى من الأفراد أو الشركات الخاصة، أما إذا كان أحد أطراف الدعوى جهة حكومية فإن الاختصاص يكون للمحكمة الإدارية لأن الفقرة (د) من المادة (13) من نظام ديوان المظالم حددت اختصاص المحاكم الإدارية ومنها الفصل في الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها. وبناءً على هذا النص فإن العبرة في هذه الحالة ليس بموضوع العقد وإنما بأطرافه فإذا كان أحد أطراف العقد جهة إدارية (حكومية) فإن اختصاص الفصل في المنازعات الناشئة عنه يكون للمحاكم الإدارية سواء كان هذا العقد يندرج تحت مفهوم ( العقود الإدارية) أم (العقود المدنية) وأياً ماكان موضوعه أي سواء كان موضوع العقد أشغالاً عامة أو نقلاً أو توريداً أو إيجاراً أو تصاميم واستشارات هندسية أو استشارات قانونية أو اقتصادية أو غير ذلك.
** **
- محام ومستشار قانوني