د. محمد بن إبراهيم الملحم
تكلم كثيرون حولي قائلين إن مسلسلات رمضان هذا العام قد ذهبت إلى أقصى الشمال وقدمت محتوى فوق أنه لا يليق بمجتمعنا فهو بدون أدنى تردد لا يليق برمضان فهو محتوى يعارض المكان والزمان معاً، مما دعاني إلى أن أطلع على عينات من بعض المسلسلات لأخرج بتحليل لشخصية هذا المحتوى وهو أنه محتوى موجّه وله أهداف تخريبية وسواء وجدنا يوماً ما أن أصحابه قصدوا ذلك فعلاً أم لم يقصدوه.. فهو في واقعه الصارخ محتوى تخريبي للقيم والمثل ومضاد للعادات والتقاليد القويمة التي يعتز بها الإنسان العربي الذي يحترم نفسه وتاريخه وأمجاده، هذه اللازمة لرمضان الكريم لا تكاد تفقدها من سنة لأخرى وإن غابت فترة فلابد أن تعود، ويبدو أن هناك مؤامرة قديمة على رمضان الكريم الصامد والمتحمل لكل هذه السهام المؤلمة.
ولو اتفقنا أو اختلفنا حول محتوى عمل معين (ولا حاجة للتسمية)، أو أكثر من عمل، فإن بُعداً آخر يتخلل هذه المساحة المناقضة لرمضان وهو مبدأ تضاعف عدد المسلسلات في رمضان بالذات، فلا يزال هذا اللغز عقدة لم يتمكن أحد من الإجابة عليه، ففي حين أن هدي الدين الحنيف ومقتضياته من الفضائل وتحين الفرص لتكثيف العبادة في رمضان وخاصة في الليل، يقابلها أن المنتمين لهذا الدين أنفسهم وليس تلفزيونات وقنوات من نسميهم «الكفار» من الغرب أو الشرق تنشط بشكل خرافي غير مسبوق في الإنتاج الإعلامي الترويحي الذي نتيجته الحتمية إلهاء الناس عن ذلك الهدف النبيل، ولا شك أن تهمة المؤامرة هي أولى هنا وأكثر وقعاً... ومع أني لست من المتعصبين لمذهب نظرية المؤامرة لكني أستخدم هذا التعبير لأقرع الجرس في بصيرة كل منا ليتحرك التساؤل الأمين وبوعي كامل حول المنطق الذي يلف ازدحام هذه المسلسلات في هذا الوقت تحديداً.
استعرضت لقطات من مسلسلين أحدهما وجدت فيه طالبات المرحلة الثانوية في المدرسة يتحدثن مع بعضهن بلغة عربية تشوبها كلمات إنجليزية بطريقة استعراضية وهي ظاهرة مشهودة في الأوساط الشبابية لإثبات الذات عبر مظهر «تقدمي» يتمثل في اختلاط اللكنة الإنجليزية بالعربية، ومع أن الإعلام يدعي في مثل هذه الحالات أنه ناقل أمين للواقع لكن التساؤل الذي يقلق هنا لماذا يقع اختيار «الانتقائية» في نقل الواقع على هذه الظاهرة البغيضة، ولا نرى نفس الاحتفاء والرعاية لظواهر أخرى حميدة نعرفها جميعاً في فئات أخرى من شبابنا! لماذا يتم إبراز جانب سلبي بطريقة محايدة لا تبغض فيه، بل هي ربما تريد التأكيد عليه، ويتم ترك جوانب إيجابية كثيرة في شبابنا هي أولى بالاعتراف للتأكيد عليها والمحافظة على ديمومتها؟
المسلسل الثاني تفاجأت أن أبطاله هن المعلمات، والعامل المشترك في المسلسلين هو العنصر النسائي والمدرسة! وهؤلاء المعلمات لم يقدمهن لنا المسلسل وقد أبلين بلاءً حسناً في العملية التدريسية أو حل مشكلات الطالبات (رحم الله مسلسل إلى أبي وأمي مع التحية) وإنما كان محور شخصياتهن يدور حول معانٍ سلبية لا تمت إلى قيم التربية والتعليم وتمثل القدوة بأي صلة! إذن أيها الفضلاء وجدتني أمام مسلسلين يتصادف معي أن لقطاتهما التي أستعرضها هي في المبنى المدرسي وبعناصر المدرسة الأساس: الطالب والمعلم، فلا عجب أن تلح عليّ نظرية المؤامرة بلغة كويتية ظريفة «شنو السالفة؟».
** **
- مدير عام تعليم سابقاً