سهوب بغدادي
نشاهد في فضاء التواصل الاجتماعي ما الله به عليم من صخب المشاهير وكل مايتعلق بهم من متعلقات، كمظاهر البهرجة والبذخ والمبالغة، ونستغرب في كثير من الأحيان من التصرفات التي قد تعد محرجة بالنسبة للشخص العادي، كعمل المقالب أو الموافقة عليها، واطلاع الملايين بخصوصيات كامنة عن شخصه أو أسرته وحياته، في حالة أشبه بتعري الذات والفكر، والأدهى والأمر التعري التام بجميع مفاهيمه، ولكن هل سألت نفسك عن السبب الذي يدفع شخصًا لعيش هذه الحياة؟
إن جميع المظاهر السابقة لاتعدو أن تكون قشرة من طبقات دفينة في حياة المشهور، فالطبيب مثالاً يذهب إلى عمله كل يوم ويواجه الحالات والمرضى ولديه مايكفي ويلزم من الطرق والعلم والمعرفة والخبرة للتعامل مع مايرده في ذلك اليوم، وفي حال تعسر إحدى الحالات فسيلجأ إلى استشارة زميل المهنة، في المقابل لديها المشهور بحسب اختلاف أسباب شهرته، فالبعض وجد نفسه تحت الأضواء في ليلة وضحاها، بسبب فعل أو جملة أو حتى كلمة! أخذت مجراها في الانترنت لمدة ثم أصبح رهينة لها، والبعض الآخر يستقي المحتوى من كشف ستر ما وُوري خلف الجدران، تحت مسمى «يوميات» بل إن الأمر يتعدى وقع تلفزيون الواقع باعتبار أن العمل التلفزيوني مدعوم بفريق متكامل يقوم بإخراجه بتلك الصورة البهية، فشخص واحد غير قادر على مواكبة أعمال هؤلاء جميعًا.
أن تكون مشهورًا يعني أن تكون كاتب سيناريو، ومنتجًا، ومصورًا، والأهم من ذلك «الممثل»، لا أصف المشهور بعدم الصدق، ولكن قد يضطر بعضهم إلى وضع قناع السعادة لكي يصور إعلانًا في أكثر الأيام صعوبة وسوءًا، ونتفاجأ في مرات من ظهور المشهور بعد رحيل عزيز عليه ببضعة أيام لتصوير إعلان!
فالشهرة أكثر الأمور وطأة على النفس، كما يصاب المشهور بحمى الترند واللحاق بالموجات والشائع والذائع والرائج سواء كان ذلك قولًا أم فعلًا، فتارة تجده قاصًّا للحكايا، وتجده موزعًا للجوائز تارة أخرى، وهكذا دواليك، وفي حال نزعت الشهرة التي تمثل كيانًا للمشهور فمن الصعب أن يكون، فالقيمة هنا تأتي من المحيط الخارجي «الناس» أما في حالة الطبيب، فلو انتهى عقده في ذلك المشفى لن يصاب بالهلع، لأن لديه صنعة، تمثلت في المعرفة والمهارة المكتسبة، تخوله لنيل غيرها من الوظائف في أماكن أخرى، وهنا نجد أن القيمة تنبع من الداخل «الذات»، ولا أعمم القول على جميع المشاهير، فمنهم من اشتهر بشيء محمود ومحتوى بديع، ولديه أعمال وحياة بمعزل عن الشهرة، فتكون إضافة على مايمتلك من الأساس، على سبيل المثال ذات الطبيب إذا أصبح مشهورًا ويبث محتوى طبيًّا، فسيكون مقدار المسؤولية في المحتوى وانتقائه له أكبر، وإن رحلت الشهرة فسيبقى الشخص كما هو، فلا تستغرب مما ترى من لوحات بديعة أو غريبة في العالم الرقمي، فالأمر مثقل بالأبعاد السيكولوجية المنعكسة من وإلى الشخص.
(قد تكون لا شيء، إلا أن ذلك أكثر سهولة من أن تكون شيئًا وتصبح بعدها لا شيء).