ميسون أبو بكر
إن دخلت عالم السوشيال ميديا ستصبح أوقاتك مرهونة به، ستنفصل عن عالمك الطبيعي وعن نشاطاتك وتواصلك مع الآخرين، تحديداً ستكون في الإطار الذي اخترت أن تتابعه وفي المحيط الذي تضغط بإصبعك على شاشة جوالك في أي تطبيق كان ستكون رهيناً لذلك العالم، ولأن مجانين السوشيال ميديا كثروا واستسهلوا البث عبر وسائل التواصل المختلفة فإنك سترى العجب العجاب وإن لم تتوقف ستنزلق قدمك وستدمن متابعة الغث والسمين. ممثلة تطلقت، مشهورة تبكي خيانة زوجها وتشنّع به، أطفال أبرياء زُجّ بهم في هذا العالم ووحل الشهرة ولو على حساب طفولتهم وخصوصيتهم، طفلة تحقنها طبيبة بالبوتكس لأن والدتها تريد حصد مشاهدات أكثر، كثر الذين يفتون في الدين والسياسة والصحة والأدوية، تنام وتصحو على سنابات تتابع المشاهير وتستعرض بخبث جديدهم، فلا يتوفر لديك الوقت لقراءة كتاب لأنك مدمن على متابعات لحظية لحيوات غثها أكثر من سمينها.
ناهيك عن الشباب الذين يلهثون خلف غنى سريع ويرون في مشاهير السوشيال ميديا أبطالهم المفترضين الذين يستعرضون الفاخر من السيارات والثياب والساعات والذين ارتكبوا إثماً بحق الجيل الحالي والمراهقين المتابعين لهم.
فوضى السوشيال ميديا على قدر ما تتربص بها الجهات الأمنية التي لا تألو جهداً في تصيد أخطائهم وتجاوزاتهم فإن جهلهم يقودهم لمخالفات كثيرة.
وفلاتر السناب حكاية أخرى، فأنت تتعامل مع أشخاص لا يشبهون واقعهم بل يصرون في المناسبات العامة ألا يظهرون بدون فلاتر، ونادراً ما تتعرف إلى مشهور إن التقيته لأن الملامح ليست هي والفرق كبير بين صورته في سناب وهيئته في الواقع.
أصبحت القدوة لبناتنا تلك المشهورات اللاتي يضعن أقنعة من مساحيق التجميل ويقفن طابوراً على محلات البراندات العالمية بدلاً أن يكون أمهات المؤمنين قدوات لهن أو كاتبات وشخصيات قدمت للإنسانية مايفيد.
يحضرني لقاء المبدع دوماً عبدالله المديفر مع صاحبة السمو لولوة ابنة الملك الفيصل وهي تتحدث عن دور المرأة ومهمة تربيتها أبنائها الوظيفة الأهم في المجتمع والتي لا تستطيع مجموعة من العاملات والمدرسات القيام بهذه المهمة؛ حيث والدة الأميرة «عفت» التي استطاعت بحنكتها وثقافتها تأسيس أول مدرسة نسائية في جدة.
ربما نحن بحاجة ماسة للانسلاخ عن العالم الافتراضي بكل ما فيه ولا بد من تعميق ثقافة الجيل الحالي بشخصيات مهمة أسهمت في كتابة التاريخ وقدمت لمجتمعاتها ما يفيده. سيدات ورجال طاعنون في السن وقعوا أيضاً فريسة إدمان مشاهير السوشيال ميديا، الذين إن لم يجدوا حطباً لحرقه وإثارة المجتمع (وذلك لكسب مشاهداتهم التي تعود عليهم بالربح المادي وهي سياسة وسائل التواصل) فإنهم يحرقون أنفسهم ويعرضون حياتهم الخاصة والمفتعلة للجميع. مسلسلات رمضان إلا ما نجا منها صورة تحاكي الواقع المأزوم اليوم بكل تداعياته، لا بد من الارتقاء بذائقة المجتمع وهي مسؤولية الإعلام التقليدي والمدرسة والأسرة لبنة المجتمع والفن ثم الفن والتاريخ الذي يجب استحضاره بأبطال حقيقيين وقصص ملهمة.
كل عام وأنتم ناجون من وعثاء وسائل السوشيال ميديا.