حصة مروان السديري
تلك الحضارة المختفية التي تم ذكرها في عدد من المصادر الكلاسيكية، وتم ربطها بعدد من المواقع الأثرية بشرق المملكة العربية السعودية، تحديدًا في موقع ثاج والدفي والمواقع المجاورة لهما. هذه المملكة التي كانت تحظى بأهمية استراتيجية بفضل موقعها المتميز على ساحل الخليج العربي، استطاعت أن تخلق ثروة طائلة جعلتها تضاهي أعظم التجار السبئيين في عصرها. إنجازات سكانها في مجال الإبحار والتجارة عبر البحر كانت لها الأثر البالغ في حصول هذه المملكة على لقب «مملكة البحر» في بعض المصادر القديمة.
ذكرت مملكة الجرهاء في المصادر الكلاسيكية، حيث ذكرها مؤرخون بارزون مثل ديودور الصقلي، بوليبيوس، سترابو، وبليني. هذه الإشارات التاريخية ترجع إلى حوالي 205 قبل الميلاد، مشيرة إلى أن الجرهائيين كانوا أحد القبائل العربية الرئيسية التي سكنت ساحل الخليج العربي. يروي اجاثار خيدس في حوالي 100 ق.م قصصًا عن ثرائهم الفاحش، ويصف معداتهم وأدواتهم الذهبية والفضية، وأسرّتهم ومنازلهم الباهظة التكاليف، وكيف كانت المنازل تتزين بأبواب وأسقف من العاج والذهب والفضة.
موقع ثاج الأثري، كنز تاريخي، يعكس الاكتشافات الغنية التي تم العثور عليها هناك، بما في ذلك الذهب والعملات التي أطلق عليها اسم «عملات الجرهاء»، ويربط بعض الباحثين ثاج على أنه موقع مملكة الجرهاء أو على الأقل عاصمتها، وتدل هذه المكتشفات على الإرث العظيم لهذه المملكة.
حتى الآن، تناول الباحثون حوالي 25 موقعًا أثريًا يرشح أن تكون تابعة لمملكة الجرهاء.
في ظل هذه النهضة الأثرية غير المسبوقة، نأمل في المستقبل القريب أن تتوسع أعمال التنقيب في هذه المواقع لاستكشاف المزيد من أسرار مملكة الجرهاء، وأن يتم إبراز وتقدير تاريخها.
المصدر: السحيباني، ع. (2018). تحديد موقع الجرهاء على ضوء المكتشفات الأثرية الحديثة. مركز عبدالرحمن السديري الثقافي.