خالد بن حمد المالك
وسّع الكيان الإسرائيلي اعتقالاته للفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر العام الماضي، سواء من قطاع غزة أو من الضفة الغربية، حتى من أولئك الذين لا علاقة لهم بحماس، أو ممن ليسوا طرفاً في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وذلك ليُساوم بهم العدو على أسراه لدى حماس، وليبدو ظاهرياً أن إسرائيل أفرجت عن عدد كبير من الأسرى مقابل عدد محدود من أسراه، لتظهر إسرائيل وكأنها أكثر تجاوباً من حماس في قضية تبادل الأسرى.
* *
لكن إذا ما تمت الصفقة وإن على مراحل، كيف سيكون وضع حماس في ظل خلو أيديها من الأسرى الإسرائيليين؟ خاصة مع إعلان نتنياهو وأعضاء حكومته بأنهم لن يتركوا غزة قبل القضاء على حماس، وتغيير الوضع في القطاع، مع تأكيدهم بأن اجتياح رفح مسألة وقت ليس إلا، دون النظر إلى احتجاج العالم، والضغط على إسرائيل لكي لا ترتكب هذه الجريمة، حيث سيرتفع عدد الشهداء والمصابين، ويزداد عدد المُهجّرين بأكثر مما حدث في اجتياح الجيش الإسرائيلي لشمال القطاع ووسطه وأجزاء من الجنوب.
* *
يتحدث رئيس وزراء إسرائيل بأن تحرير الرهائن الإسرائيليين لن يتحقق إلا بالضغط العسكري على حماس في محاولة منه لإقناع المتظاهرين والمحتجين في إسرائيل بالتوقف عن الاحتجاجات، مع أن من يُطالب من الإسرائيليين بإيقاف الحرب حرصاً على حياة الأسرى الإسرائيليين يعلمون أن الجيش الإسرائيلي فشل في إنقاذ أي واحد من الأسرى، ولم يتمكن من التوصل إلى أماكن تواجدهم في غزة، بل وليس لديه أي معلومات عمن أُصيب منهم أو قُتل أو هو في عَدّاد المفقودين أو أنه في حالة صحية طبيعية.
* *
هناك ضغط مُعاكس على نتنياهو وليس على حماس، يطالبه بالاستقالة، وبإجراء انتخابات مبكرة، لكنه يماطل ويرفض، ويتحدث عن أن استقالة الحكومة تعني هزيمة إسرائيل، وفشلها في تحقيق أهدافها، والحقيقة التي يعرفها الإسرائيليون أن نتنياهو يتمسك برئاسته للحكومة لحماية نفسه من المحاكمة، فهو مطلوب للعدالة، كما هو مطلوب للتحقيق لفشله وحكومته في أحداث السابع من أكتوبر وتداعياتها، ثم في عدوانه على قطاع وفشله في تحرير الرهائن.
* *
يلاحظ أن إسرائيل بدأت تعطي بعض التنازلات في مسألة تبادل الأسرى، وكلما تمسكت حماس بشروطها، كلما تجاوبت إسرائيل معها في ظل ضغط أُسر الرهائن الإسرائيليين، وهو ما يعني أهمية هذه الورقة في تحقيق مطالب حماس في إيقاف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، ثم البدء بالتحضير لتنفيذ وتحقيق خيار الدولتين.
* *
وبنظري فإن إسرائيل منذ قيامها في عام 1948م لم تشهد وضعاً حرجاً كما هي عليه الآن، حتى وإن بلغ عدد القتلى بين الفلسطينيين إلى أكثر من ثلاثين ألف شهيد، وإلى أكثر من سبعين ألف جريح، حتى وإن هدمت المنازل، وأزيلت نصف مباني القطاع، إلا أن إذلال إسرائيل في السابع من أكتوبر، ثم المقاومة على ما يقرب من ستة شهور يؤكد ضعف الجيش الإسرائيلي، وعدم قدرته في التعرف على مكان أسراه، دون أن ننسى الأعداد الكبيرة التي قتلت أو أصيبت بين أفراده دون أن يحقق شيئاً من أهدافه، ما اضطره إلى المباحثات غير المباشرة مع حماس لتحقيق ما عجز عنه بالميدان ليحققه من خلال الحوار.
* *
ستنتهي الحرب يوماً، وسيُفرج عن أسرى إسرائيل لدى حماس، وأسرى فلسطينيين لدى إسرائيل، لكن المعركة ستبقى مستمرة ومتواصلة، ولا نهاية لها قبل قيام الدولة الفلسطينية، وأي تفكير لوضع نهاية لهذا الصراع المرير دون تمكين الفلسطينيين من قيام دولة لهم على حدود 1967م هو تفكير ناقص، ولا يلامس المشكلة، وإنما يبقيها حية لجولات قادمة، دون أن يفقد الفلسطينيون حقهم بالمطالبة بحقوقهم المشروعة بالحرب أو من خلال المباحثات، وهو ما يجب أن تفهمه إسرائيل وأمريكا وبقية الداعمين لعدوان إسرائيل واحتلالها للأراضي الفلسطينية.