د. فهد بن أحمد النغيمش
يظل الأصدقاء الأوفياء هبة من الله سبحانه يضعهم على قارعة طريقك وفي حياتك لا تربطك بهم صلة قرابة ولا جوار ولا زمالة ولا مصالح دنيوية وإنما هم كمصابيح الدجى وقت الظلام وكشربة ماء للظمآن، هم وقت الخطوب أول من يقف بجوارك ويخفف عليك آلامك تجدهم في الضراء قبل السراء وفي أوقات شدتك قبل رخائك وفي أيام حزنك قبل أفراحك ينطبق عليهم مقولة: رب أخ لم تلده لك أمك، وإذا حظيت يوماً بأحدهم فاشكر الله الذي أرسله في طريقك وأحمده سبحانه أن رزقت بأمثاله. كيف وإذا كان ذاك الصديق نعمة فوق نعمة أخرى يحمل قلباً سخياً أبيض كبياض الثلج ونقاءً كنقاء الماء الزلال صفاءً وعذوبة، هؤلاء يندر الزمان أن تجدهم ويعز المكان أن يأتي بمثلهم فهم عملة نادرة وقيمة باهظة الأثمان.
تشغلنا الدنيا بركامها وحطامها ومتاعبها ولكن يبقى القلب للقلب يحن وبالاتصال أو للوصال يسعى مهما طال الوقت أو قصر، لكن حين تصلك رسالة تنبئك أن لا وصال بعد اليوم ولا لقاء في هذه الدار لمن كنت له واصلاً ولك متواصلاً، هنا تأخذك مسحة حزن وأسى ولوعة فراق وألم فخبر الوفاة دوماً ما يعكر الأسماع فكيف إذا كان لأحد الأحباب وبصورة مفاجئة وهذا ما حدث معي حين رزئت بخبر وفاة صديق وفيٍّ وعزيز كريم رحل عنا دون سابق إنذار أو أدنى إخطار، ذلكم الصديق الصادق وصاحب القلب الطاهر أخي (أبوسعد) عبدالعزيز بن سعد العتيبي والذي كان قلعة من الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة والقلب المخموم، نقي السريرة سليم الصدر، دمث الأخلاق أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً، لم أطلبه في قضاء حاجة أو تلبية إجابة إلا وجدته يرد بكل سرور وبكل حب ووئام (أبشر، سم، على خشمي..) عبارات ملؤها التقدير والاحترام والأدب والمحبة والامتنان ولذا لا غرو حين ترى جنازة مهيبة وكبيرة يكتظ الجامع بها وتزدحم المقبرة بأعداد المشيعين والمعزين فالكل يعرف عنه طيب المعدن وسلامة القلب وقضاء الحاجة وتلبية الإجابة، زاملته في العمل فترة من الزمن فكان أول الحاضرين للدوام ولم أعلم أحداً من الموظفين سبقه في التبكير إلى الدوام، قضى شطراً من حياته خطيباً متنقلاً في أكثر من جامع هنا وهناك يخطب بمقابل وبدون مقابل، لا يجيد الخصومة مع الآخرين بل يكاد يفقد لمسماها في حياته، ترك العديد من الحقوق الخاصة به خروجاً من الخصام وإساءة الظن، تألف مجالسته والسماع لأخباره ورحلاته وتنقلاته، سهل لين في قوله وفعله وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلى النَّارِ؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ، هَيِّنٍ، ليِّنٍ، سَهْلٍ)
رحل من دنياناً ولم نودعه ولم نشعر بقرب رحيله وهذه حال الدنيا وتقلباتها وحال الموت ومباغتته ولكن حسبنا من ذلك وتسلية مصابنا فيه ثناء الناس عليه بعد وفاته وتعداد محاسنه ومآثره وكثرة من شهد جنازته في جامع التويجري في التويم في جنازة يندر أن تزدحم بمثله وذلكم لعمري مصداق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حين مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال عليه الصلاة والسلام: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال وجبت، فقال عمر بن الخطاب: ما وجبت؟ قال هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض» ونحن والله نشهد الله أنه نال من الثناء أجمله ومن المدح أكمله في حياته وبعد مماته، فاللهم ارحمه واغفر له وتجاوز عنه واجمعنا به وبمن نحب في هذه الدنيا وبوالدينا في جنات النعيم.