مبارك بن عوض الدوسري
تتعذر الكلمات وتتبعثر الأفكار عندما يريد المرء التحدث في المناسبات الاستثنائية ولا سيما المؤلمة منها، كتلك التي أنا بصدد الحديث عنها هنا، وهي فقد أحد أهم رموز الكشافة العربية قائد قسم الرواد والأحباء بالكشافة التونسية أستاذنا وقائدنا محمد بن الشاذلي الجراية، الذي فجعنا يوم الأحد 7 رمضان 1445هـ الموافق 17 مارس 2024م بخبر وفاته في ليلة فاضلة مباركة من الشهر الفضيل تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
عرفت قائدي رحمه الله عام 1999م حينما جمعتنا أولى اجتماعات اللجان الكشفية العربية الفرعية في تلك الدورة من عمل اللجان فقد كان أحد أعضاء لجنة الاستراتيجية وكنت مستشاراً غير متفرغ للإعلام والاتصال بترشيح من الأمين العام للمنظمة الكشفية العربية بالمكتب الكشفي العربي - آنذاك- القائد فوزي محمود فرغلي - رحمهما الله جميعاً- فكان شخصية بسيطة محببة ومحترمة، يتسم بروح الألفة والحكمة، محباً للخير وداعياً للفضيلة، صريحاً يهدي إليك عيوبك من غير تجريح، ويقوم خطأك من غير تقليل، تختلف معه ولكنه اختلاف لا يفسد للود قضية، وتخرج منه بعد مفاهمة بقناعة برأيه أكثر من قناعتك برأيك المختلف مع رأيه، كان أكثر ما يشدني فيه وقلت له ذلك مراراً إن كل شيء فيه أنيق كحرصه على أناقة هندامه وشكله، ونظرته للأمر المطروح للنقاش نظرة مبنية على تهيئة جيدة لما سيناقش بحيث يغطي الموضوع في زواياه المتعددة، ولا أقول سراً إن تلك الأخيرة اكتسبتها من شخصه وأطبقها في كل مشاركاتي بمختلف المناسبات الكشفية وغير الكشفية.
لقد كان قائدي نقي السيرة والسريرة، طيب القلب، لا يحمل كراهة ولا حقداً على أحد، ولا يتأتى منه الأذى ولا الإيذاء مهما قل أو صغر.. إنه من نوادر القيادات الكشفية الفضلاء، فلذلك لا نستغرب في تجمعاتنا إذا وجدنا كل من يحيط به هم من يحملون مثله الفضل والنبل والأخلاق الحميدة، فيا محبي محمد جراية من غير ألقاب عزاؤكم عزاء جميل وصبركم صبر جميل، حقاً لقد رحل قائدنا وحبيبنا لكنه قبل رحيله ذوب حبه وسقاكم إياه وأضفى عليه كوناً من المشاعر والأحاسيس التي تجعله خالداً في كل نابض من عروقكم فما هو إلا أنتم وما أنتم إلا إياه.
رحم الله فقيد الكشافة، وجزاه عنا وعن كل المنتمين للكشافة العربية خير الجزاء، وإنا لفراقه لمحزونون، وإن عزاءنا فيه هو أنه سبحانه وتعالى اختاره إلى جواره في أفضل الأيام فليهنأ بصحبة الأخيار في الفردوس الأعلى - بإذن الله - ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.