عبدالمطلوب مبارك البدراني
الخبز ومكانه ومكانته من الموائد الغذائية حول العالم فهو أحد العناصر الغذائية في الموائد الشرقية حتى صار مرتبطاً بالحياة ومؤكدًا على قيمة الترابط الاجتماعي.. وهو دائماً يأخذ مكانه ووضعه المميز منتصف المائدة ويعتقد القدماء المصريون أن تلك العلاقة الوطيدة ترجع إلى سنة 8000 ق.م، حيث بدأ الإنسان في زراعة القمح والتي تعتبر من أولى الزراعات التي قام بها. وعثر باحثون على بقايا متفحمة لخبز في موقد حجري بشمال شرق الأردن. تبين أنه الأقدم في العالم قبل أكثر من 14 ألف عام، وهو ما دفع علماء إلى البحث عن العلاقة بين إنتاج الخبز ونشأة الزراعة. ولأول مرة تم صناعة الخبز في وسط آسيا كما أكد باحثون، ثم وصل إلى البحر الأبيض المتوسط. عن طريق بلاد ما بين النهرين ومصر بفضل وجود العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا عن طريق سوريا. وتؤكد بعض الأبحاث الأخرى أن الإنسان بدأ طهي الحبوب قبل صناعة رغيف العيش.
اختيار أنواع الحبوب المستخدمة هو ما أدى إلى ظهور العديد من أنواع الخبز المعروفة اليوم. وكانت أقدم الأنواع تُصنع من الشعير. منذ فجر التاريخ كان الخبز يُصنع يدوياً حتى أزاحت الآلة همّ تحضيره. في كل المعارك التقليدية والتجارية، ينظر متخذ القرار إلى مخزونه من الرغيف، ليعطيه مؤشراً إلى أمد مقاومته.
إذا كان في مقدور الإنسان البقاء على قيد الحياة لنحو 30 يوماً على رشفات من الماء، فإنه في مقدوره العيش إلى أبعد من ذلك مع رغيف خبز من الحبوب الكاملة (بحسب الفئة العمرية والصحية). وقد قامت ثورات وحروب طاحنة من أجل تأمين كسرة خبز. وقد لقنت ثورة 14 يوليو (تموز) 1789 فرنسا درساً لن تنساه عندما هاجم الباريسيون حصن الباستيل للاستيلاء عليه لتأمين القمح إلى جانب عتاد المعركة. ثم أصبحت فرنسا لاحقاً إحدى أكبر منتجي القمح العشرة عالمياً.
ما زلنا في الوطن العربي متأخرين في قوت يومنا. فرغم أن مصر تحتل المرتبة الأولى عربياً بوصفها أكبر منتج للقمح (9 ملايين طن سنوياً) فإنها صنّفت بأنها أكبر مستورد للقمح عالمياً! وفي إقليم الخليج الذي ما زال يعتمد على المخزون العالمي. المفارقة أن الخبز كان قوت أهل الجزيرة العربية قبل أن تصل إلى سواحلها شحنات الأرز من أقاصي آسيا، ليقلب أصناف المائدة رأساً على عقب، فتربعت الكبسة على موائدهم اليومية وعلى مدار تاريخ الحضارات العالمية كان الخبز يُصنع من الحبوب المتاحة في أرض كل بلد. ففي أوروبا وإفريقيا كان يستخدم القمح. وفي أمريكا يصنع من الذرة بينما كانت تستخدم آسيا الأرز. وقد أشار وزير البئية والمياة والزراعة عبد الرحمن الفضلي في المملكة العربية السعودية إلى أن المملكة كادت أن تكتفي ذاتياً من منتجات الخضراوات، وأعادت الوزارة ترتيب الأولويات العام الماضي وتم إنتاج 1.5 مليون طن من القمح على حساب منتجات أخرى كانت مهدرة للمياه بشكل أكبر، وتلك الكمية تمثل 50 % من احتياجات المملكة، ولكن في الحالات الطارئة قد يكون كافياً بنسبة 100 % من المملكة.
نحمد الله حمد الشاكرين على ما نحن فيه من نعم ظاهرة وباطنة في هذا البلد المعطاء وأهم أنواع الخبز في السعودية هي: التميس، والشريك المديني، والخبز المملوح، والخبز الحساوي (الأحمر)، وخبز الصاج أو الشمالي، وخبز العربود (في منطقة الجوف) وبواسطة الإله لدينا الآن العديد من أنواع الخبز الذي تمتلي بها سفر موائد الإفطار لدينا والملفت للنظر أنك تجد في مثل هذه الأيام ازدحاماً على الأفران قبل الإفطار لجلب الخبز ناهيك عن ما تصنعه العائلات في المنازل من موائد قد تزيد عن الاحتياج ولا تستهلك مما يتسبب في هدر غذائي.. إن زيادة الاستهلاك أو بمعنى آخر «الإفراط» في موائد الإفطار والسحور لا تتسبب فقط في هدر الغذاء فحسب، بل إن الإفراط وزيادة استهلاك الوجبات عالية السعرات الحرارية يتسبب في اضطرابات هضمية حادة وعسر هضم..
لذا علينا أن نقنن استهلاك الغذاء. صحيح أنه يوجد جمعيات غير ربحية تعنى بتوزيع الفائض من الطعام، ولكن السؤال لماذا نقوم بإعداد الطعام الذي يفوق احتياجنا. هناك شعوب عبر العالم بلغ بها الجوع والعوز أن تفتقد إلى كسرة خبز لتسد بها الرمق.. أختم مقالي هذا بقول الله عز وجل: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى من قول وعمل!!