فضل بن سعد البوعينين
تجتهد عصابات المخدرات المنظمة في خلق منصات وطرق عالمية آمنة لاستدامة تجارتها المحرمة، وتركز بشكل كبير على تجنيد المتعاونين لخلق ممرات تسمح بتدفق المخدرات بكل يسر وسهولة. كما تهتم بتجنيد رجال مال ومصرفيين حول العالم لغسل أموال المخدرات القذرة ودمجها في القطاعات المالية والتجارة العالمية.
وبالرغم مما أحدثته جائحة كورونا من خلل عميق في مسارات تهريب المخدرات، وتعطيل بعض الموانىء وتوقف شركات الطيران القسري أدت إلى قطع سلاسل إمداد المخدرات عالمياً، تمكن تجار المخدرات من ابتكار طرق جديدة ومنصات بديلة تمكنهم من مواصلة أنشطتهم المحرمة. كما أن تشديد الخناق على بعض دول المنطقة التي اعتبرت تاريخياً من مراكز المخدرات الرئيسة، صناعة وتهريباً، دفع المهربين للبحث عن منصات جديدة، ودول يمكن أن تحل مكان تلك الدول التي فقدت أهميتها وقدرتها على تلبية متطلبات عصابات التهريب.
ابتكار طرق تهريب جديدة، ومنصات ومسارات غير مطروقة من قبل، لم تمنع الأجهزة الأمنية السعودية، والهيئات ذات العلاقة، وفي مقدمتها المديرية العامة لمكافحة المخدرات، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، من إحباط عمليات تهريب معقدة، وكشف طرق التهريب المستحدثة، وتنفيذ عمليات استباقية لإحباط عمليات تهريب في بلد المنشأ، وفق منظومة متكاملة من العلاقات الأمنية الهادفة لحماية البلاد والعباد من سموم المخدرات. تعاون مثمر بين المديرية العامة لمكافحة المخدرات ونظيراتها في الدول الأخرى، أسهمت في إحباط عمليات تهريب متنوعة، وتوفير الحماية اللازمة للمجتمع.
جهود مكثفة ومستدامة، ومتميزة تقوم بها المملكة في حربها على المخدرات، وملاحقة المهربين والمروجين والمتعاطين لتجفيف مستنقعها الآسن، وتوعية المجتمع بمخاطرها. لم تتوقف الحرب يوماً على المخدرات، غير أنها اتسمت بالشمولية والتكامل منذ إطلاق الحملة الوطنية الأمنية لمكافحة المخدرات في جميع مناطق ومحافظات المملكة، بتوجيه ومتابعة وإشراف من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
الزميل عبدالله المديفر، وفريق عمل برنامج الليوان الذي تبثه قناة روتانا خليجية قدموا حلقة استقصائية متميزة عن المخدرات في المملكة، يستحقون عليها الشكر والثناء. مشاهدات ميدانية لمداهمات أمنية، وروايات تدمي القلوب، لموقوفات وموقوفين سقطوا في مستنقع المخدرات فخسروا أنفسهم، وأسرهم ومستقبلهم وحريتهم. حلقة استثنائية تصنف على أنها الأكثر احترافية، وشفافية، وبحثاً في دهاليز المخدرات.
سمو وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، ذكر في البرنامج بأن «بلدنا مستهدف، ومن أراد استهداف أي بلد يستهدفه في أهم مقدراته، وهم أبناء الوطن». وهو ما أكده أيضاً مدير عام المخدرات اللواء محمد القرني حين قال «نحن بلد مستهدف. في أمننا، وفي عقيدتنا، وفي شبابنا فهؤلاء حريصون على تدمير هذه البلاد... والمستهدف ليس الربح وإنما أمن وشباب هذا البلد». وهذه الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع، فالمملكة مستهدفة من خلال تهريب وترويج المخدرات وبيعها بأبخس الأثمان، وربما قدمت مجاناً كمكافآت أو تعويضات بين منظمات الخارج وتجار الداخل.
كتبت قبل سنوات في صحيفتنا «الجزيرة» ما نصه: « استهداف المجتمع، من أكثر أدوات التدمير المؤثرة، و المقوّضة للتنمية الاقتصادية، وأمن الوطن. تجارة المخدرات إحدى أخطر أدوات التدمير الموجهة التي تتبناها بعض الدول والمنظمات والأجهزة الاستخباراتية ضد الدول المستهدفة، وأحسب أن المملكة في مقدم تلك الدول المستهدفة، عطفاً على حجم المخدرات وأنواعها المصدرة لها بطرق تهريبية محترفة، يغلب عليها الطابع الاستخباراتي المنظم، لا التجاري المنعزل. يمكن لمنظومة تجارة المخدرات أن تشكل طابوراً خامساً يسعى لتقويض الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى تدمير المجتمع من الداخل، واستنزاف موارده، ولعلي أشير إلى حرب الأفيون بين بريطانيا والصين، وما تسببت به من أضرار كبيرة للصين آنذاك».
تعتبر المخدرات إحدى أهم القضايا الأمنية في المملكة، فحجم المخدرات المضبوطة؛ ونوعيتها والمنخرطون فيها، إضافة إلى قيمتها السوقية تؤكد على استهداف المملكة من الخارج، والسعي لزعزعة أمنها واستقرارها من خلال ضرب المجتمع من الداخل. فالمخدرات لا تعدو أن تكون وسيلة من وسائل زعزعة الأمن الداخلي والإضرار بالمجتمع، ومكوناته، والاقتصاد الوطني، ما يستوجب شن الحرب الشاملة عليها، وضمان استدامتها بالقوة والفعالية التي بدأت بها، ومشاركة أفراد المجتمع، ومؤسساته المدنية، من خلال دعم الجهود الأمنية والتبليغ عن المروجين، حمايةً للوطن وأبنائه.