د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
في دارة العرب مساء السبت 6 رمضان 1445هـ/ 16 إبريل 2024م، في ذلك المساء المبارك نظّم مركز حمد الجاسر الثقافي، بالتعاون مع مركز عبدالله بن إدريس الثقافي، ندوة تأبين بعنوان «محمد الشارخ صخر التقنية العربي»، شهدها جمهرة من العلماء والمثقفين والتقنيين، شارك فيها د. عبدالعزيز السبيل، ود. زياد الحقيل، ود. عبدالقادر الفنتوخ، وأدارها د. هشام القاضي. وهذه الندوة مبادرة مشكورة عبر عنها الأستاذ معن بن حمد الجاسر، قال: «تشرفت بدعوتي لعضوية مجلس أمناء مركز عبدالله بن إدريس الثقافي، وهي باكورة العمل المشترك بيننا، وجاء ذلك من خلال تلاقي جهود المركزين في إقامة ندوة الشارخ الذي منذ وفاته انهالت عبارات الثناء والمدح لسيرته الطيبة، لما تتميز به هذه القامة العربية الكبيرة من مكانة تحتاج إلى تضافر كل الجهود لتكريمها والاحتفاء بها».
وبهذا العنوان وزع كتيب على الحاضرين نشره مركز عبدالله ابن إدريس الثقافي ضم جملة من الكلمات التأبينية والشهادات التي جاءت في ملف مجلة الفيصل وعددًا من الصور منها صورة تسلم الشارخ جائزة الملك فيصل عام 2021م.
أعادتني هذه الندوة إلى السنوات التي بدأت بها شركة صخر للحاسب الآلي 1982م، وكانت أسرتي الصغيرة زوجتي وسمية المنصور رحمها الله، وابني أوس وابنتي ديمة يعيشون في الكويت في منطقة حولي والنقرة، أما أنا فكنت أوزع إقامتي بين الكويت والقاهرة؛ إذ لَمّا أتمّ كتابة رسالتي، وفي إحدى المرات، وأنا في الكويت، رنّ هاتف منزلنا فرفعت السماعة فإذا من لا أعرفه يخاطبني باسم شركة صخر، ويدعوني لزيارة مقر الشركة في منطقة الجابرية، وهي منطقة تقابل منطقة حولي والنقرة يفصل بينهما طريق الدائري الرابع، لم أعلم علة هذه الزيارة ولا من دلّهم عليّ، ومضيت على عجل إليهم، ودُعيت إلى الجلوس مع المتخصصة البريطانية بأصول البرمجة. أخرجتْ ورقة ورسمتْ عليها دائرة مصمتة ورسمت شكلًا هندسيًّا صغيرًا مُعيّنًا صغيرًا، وقالت تحيرنا في رسم الصفر أنجعله دائرة مصمتة أم نجعله هكذا وأشارت بسن قلمها إلى المعين، وقالت هذا شكل الصفر بالعربية، فقلت لها إن المعين أولى ليكون مختلفًا عن النقطة. ودعيت بعد ذلك إلى الجلوس مع أحد المبرمجين الذي كانت لديه أسئلة عن الإملاء وكيفية كتابة بعض الأحرف في وسط الكلمة ونهايتها، وأذكر أني اقترحت عليه إمكانات يمكن أن ينجزها الحاسب فقال إن ذلك جميل جدًّا؛ ولكن للأسف الشديد يحتاج إلى ذاكرة واسعة، وليست هذه الذاكرة متاحة تقنيًّا ذلك الوقت.
نجحت شركة صخر في إنتاج حاسوب عربي يكتب باللغة العربية، وكنت من الذين حرصوا على اقتناء هذا الحاسوب واستعماله، كتبت عليه أسئلة الاختبارات والبحوث وتقارير اللجان التي كلفتها، كان بنط الكتابة واحدًا، وكان يلزم لإبراز كلمة أو جملة بتسويدها أن نكتب قبلها رمزًا خاصًّا وكذلك بعدها وهكذا نفعل إن أردنا أن نضع خطًّا تحت الكلمة أو الجملة. لم يكن ما يظهر على شاشة الحاسوب مرضيًا؛ ولكنه في الطباعة يأتي بنتيجة حسنة، ولم تكن الكتابة بهندستها المتاحة بجمال ما ألفناه في كتب المطابع. وعندي في مكتبي نسخ من الأسئلة التي كتبتها على صخر.
وجدّ على المستعملين خط جديد يكتب بأوامر حاسوبية لا تقل عن أوامر صخر تعقيدًا؛ ولكنه ينتج بعد ذلك نتيجة أقرب إلى خطوط المطابع.
وجاءت بعدُ ثورة نوافذ ميكروسوفت التي نقلت عالم الكتابة العربية نقلة مذهلة ما زالت سائدة على الرغم من ظهور أنظمة أخرى لم تأخذ حظها من القبول والاستعمال بين عامة المستعملين.
وأجيال اليوم بما لديهم من إمكانات تقنية متطورة لا أظنهم يدركون مدى فرحنا نحن الذين عاصرنا الكتابة باليد ثم بالآلة الكاتبة التي تضم مقامع ثبت على طرف كلٍّ منها أحد حروف الكتابة، ثم استبدل بها بعد بكرة برزت على سطحها الحروف، وهي تفترّ يمنة ويسرة لترسم الحرف على الورقة. رسائلنا أنا وزوجتي رحمها الله كتبت على هذه الآلات الكاتبة.
الأجيال اليوم لا يدركون فرحنا بصخر الذي نقلنا نقلة نوعية من الكتابة بالآلة الكاتبة إلى الكتابة الحاسوبية التي حررتنا من الاستعانة بكاتب آلة.
لم يسعدني الحظ أن ألتقي بهذا الرجل العظيم محمد عبدالرحمن الشارخ المبادر المغامر صاحب الإنجازات العظيمة في خدمة العربية، ولست أملك سوى الدعاء له بالرحمة والمغفرة.
** **
الأستاذ في قسم اللغة العربية - كلية الآداب - جامعة الملك سعود