د.منال بنت عبدالعزيز العيسى
كنت ومازلت أعتقد جازمة بثراء الفنون السعودية وآدابها، كما أعتقد ببذرتها البكر التي مازالت تنتظر من يعيد اكتشافها وإخراجها للمحفل المحلي والخليجي والعربي والعالمي من خلال إعادة النظر في المناطقية الجغرافية القارية للمملكة العربية السعودية بمناطقها الرئيسة: نجد والشمال والجنوب والغربية والشرقية .
ثراء جغرافي ضارب في القدم والعراقة والتنوع والتميز يحتاج لمزيد من الجهد الفني والبشري والنقدي والسينمائي والدرامي والكوميدي؛ ليضع الخارطة الفنية السعودية في واجهة التميز الفني بعيدا عن النمطية الفنية التلفزيونية الكوميدية ذات الطابع البسيط والبسيط جدا بما لا يعكس الثراء الحقيقي للدراما والفن السعودي.
سادت الدراما الكويتية وتسيدت الساحة الخليجية والعربية كما سادت الدراما المصرية عقودا من الزمن، ولكل عصر أدواته وفكره ومنتجاته ومواهبه، ونحن بلا شك نعيش العصر الفني السعودي الذي تسيد الخليج والعالم العربي بطرح مختلف، استفاد من تجارب الدول المجاورة أعاد اكتشاف ذاته بدعم مباشر من وزارة الثقافة والفنانين السعوديين باختلاف توجهاتهم الفنية سواء في الدراما أم الكوميديا.
وهنا لابد من التنويه الذي طالما ناديت به وسأظل ألاوهو تشجيع البعد المناطقي في الفنون والآداب السعودية بما يتوافق والجغرافية القارية للمملكة العربية السعودية وعارضني الكثير من بعض الأكاديميين في توجيه طلبة الدراسات العليا للدراسة المناطقية في الآداب السعودية وكشف كنوز تلك الاختلافات الثرية سواء أكان ذلك في مستوى اللهجة أم العادات والتقاليد أم الألبسة أم الأغاني والتراث الشعبي، حاولت ونجحت في توجيه إحدى طالباتي في الدراسات العليا لدراسة البعد الأنثروبولوجي في القصة القصيرة في منطقة جازان فكانت لبنة مؤسسة لهذا النوع من الدراسات المناطقية أسفرت عن عدد من النتائج البحثية الهامة والخاصة بمنطقة جازان الحبيبة.
وها نحن نحتفي جميعا بمسلسل «خيوط المعازيب» الحساوي المميز في مستوياته الدرامية سواء أكان في اللهجة التي كانت تحت عين ناقد مدقق للهجات، أم في الفكرة الدرامية القائمة على الصراع بين الخير والشر، أم في الممثلين والممثلات السعوديات المميزات، أم في اللباس والديكورات المصاحبة للمسلسل، ويأتي الأهم بالنسبة لي وهو إعادة اكتشاف منطقة الأحساء حضاريا وفنيا واجتماعيا من خلال مسلسل كتب له النجاح والتميز؛ لأنه انطلق بفكر ورؤية وإخراج مختلف يضاف له الأداء المتميز للفنانين السعوديين بعيدا عن استقدام أبطال من بيئات أخرى وبلهجات متكسرة مرهقة للناطق والمستمع على حد سواء؟
الفن لا يستقدم، الفن يخرج من رحم الأرض وبأيدي رجالها وسيداتها عندها سيكون التميز والنجاح بعيدا عن رؤى لا علاقة لها بالمجتمع السعودي فهي في بعضها تشويه أو تصدير لقيم طارئة غير قارة ولا مؤصلة؟؟
** **
- أستاذ النقد والفلسفة بجامعة الملك سعود