د. فهد بن عبدالله الخلف
هذه الظاهرة اللغويّة في لهجة بريدة خالفت فيها اللغة العربيّة الفصيحة، فحركة ما قبل التاء المربوطة في الفصحى محصورة في حركتين هما: الفتحة القصيرة (-َ) نحو: مكتبَة، ومدرسَة، وطيبَة، فالملحوظ في هذه الأمثلة أنّ الحرف الذي جاء قبل التاء المربوطة مضبوطٌ بالفتحة القصيرة، والحركة الثانية هي: الفتحة الطويلة التي تسمّى الألف (ا) وتُحلَّل صوتيًّا بــ(-َ -َ)، نحو ألف كلٍّ من: قضاة، وحياة، وحماة، والملحوظ هنا أنّ ما قبل التاء المربوطة جاء ساكنًا، والمقرّر عند علماء الأصوات أنّ الألف والفتحة التي قبلها تسمّيان حركةً طويلةً، وهي دائمًا حرف مدّ(1).
ولكنّ لهجة بريدة(2) تتعامل مع الاسم المختوم بالتاء المربوطة بطريقة أخرى تتميّز بظاهرتين لغويّتين صوتيّتين هما: الظاهرة الأولى: التقاء الساكنين في بعض الأوزان الصرفيّة مثل: صيغة (فاْعْلِة) فالألف ساكنة، والحرف الذي يليها ساكن في لهجة بريدة يقال: كاتْبِة، حايْمِة، قايْلِة... وهذه الألف فيها طول في مدّها؛ للتخفّف من التقاء الساكنين، وفي ذلك يقول إبراهيم أنيس: «ألا ترى أنّ الألف والياء والواو اللواتي هنّ حروف توامّ كوامل قد تجدهنّ في بعض الأحوال أطول وأتمّ منهنّ في بعض، وذلك إذا وقعت بعدهنّ الهمزة، والحرف المدغم نحو: يشاء ودابّة، وهنّ في كلا الموضعين يسمّين حروفًا كواملَ»(3) والذي يهمّنا من هذا النصّ الحديث عن الألف التي لا ترد إلا حرف مدّ، وهي قبل الحرف المدغم مدّها كامل تامّ. والظاهرة الثانية من الظاهرتين اللغويّتين الصوتيتين هي: كسر الحرف الذي يرد قبل التاء المربوطة.
ونستطيع أن نفسّر كسر الحرف الذي ورد قبل التاء المربوطة في صيغة (فاعْلِة) مثلًا تفسيرًا صوتيًّا مفاده أنّ الكسر بعد التقاء الساكنين ممّا يخفّف من شدّة هذه الظاهرة على اللسان، وهذا نظير لما يُلحَظ في التقاء الساكنين في الفعل المسند إلى ألف الاثنين المؤكّد بنون التوكيد الثقيلة المشدّدة قال ابن مالك:
ولم تقع خفيفةٌ بعد الألفْ... لكنْ شديدةٌ وكسرُها أُلِفْ(4)
ومثال ما وقعت فيه نون التوكيد الثقيلة بعد ألف نحو: الطالبان يحضرانِّ، في هذا المثال التقى ساكنان هما الألف، والنون الأولى الساكنة من نون التوكيد الثقيلة، ولتخفيف التقاء الساكنين لجؤوا إلى كسر نون التوكيد(5) بعد أن كانت مفتوحة قبل التقاء الساكنين.
ولكن يلوح لي تساؤل في هذا الاستعمال اللهجيّ البُرَديّ هو: لمَ يُكسَر الحرف الذي يسبق التاء المربوطة مطلقًا، ولو لم يكن قبله التقاء ساكنين؟
ولمحاولة الإجابة عن هذا التساؤل أقول: يبدو لي أنّ هذه اللهجة تميل إلى الكسر في هذا الموضع مطلقًا، والكسرة حركة أقوى من الفتحة المستعملة في العربيّة الفصحى، وهذه الكسرة يمكن تفسيرها بأنّها محمولة على حركة الحرف الذي كُسِرَ قبل التاء المربوطة بعد التقاء الساكنين؛ لكي تطّرد هذه الظاهرة اللغويّة في لهجة بريدة، وهذا -في ظنّي- يمكن أن يخضع لقاعدة حمل النظير على النظير، وهي ظاهرة صرفيّة يقصد بها «أن يُعطى للكلمة حكم كلمة أخرى مشابهة لها كتصغير أفعل التعجب حملًا على أفعل التفضيل...»(6)، فهنا حُمِلَ ما كُسِرَ وليس قبله ساكن على ما كُسِرَ وقبله ساكن.
ونخلص ممّا سبق إلى أنّه يمكن تفسير سبب كسر الحرف السابق للتاء المربوطة في لهجة بريدة هو التخفُّف من التقاء الساكنين فيما ورد قبله التقاء ساكنين مثل صيغة (فاْعْلِة)، أمّا كسر ما قبل التاء المربوطة، ولم يسبقه التقاء ساكنين فإنّه محمول على ظاهرة التقاء الساكنين؛ لتطّرد الظاهرة اللهجيّة، وهي كسر ما قبل التاء المربوطة.
** **
الحواشيّ:
(1) انظر علم الأصوات، كمال بشر، دار غريب، القاهرة، مصر، د.ط، 2000م، ص17.
(2) نسبة هذه الظاهرة إلى لهجة بريدة لا يعني حصر هذه الظاهرة في بريدة، وإنّما قد توجد هذه الظاهرة في لهجات أخرى لم أقف عليها.
(3) الأصوات اللغويّة، إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة، مصر، الطبعة الخامسة، 1975م، ص37.
(4) ألفيّة ابن مالك في النحو والتصريف المسمّاة الخلاصة في النحو، محمّد جمال الدين بن مالك الأندلسيّ، تحقيق: سليمان العيوني، مكتبة دار المنهاج، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1428هـ، ص148.
(5) انظر المستقصى في علم التصريف، عبد اللطيف الخطيب، مكتبة دار العروبة، مدينة الكويت، دولة الكويت، الطبعة الأولى، 1424هـ/ 2003م، جـ1، ص208.
(6) المعجم المفصّل في علم الصرف، راجحي الأسمر، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1418هـ/ 1997م، ص269.