بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة اتباع الجنائز من النساء، وكأنه عبادة مشروعة، كما يؤكد البعض من طلبة العلم إلى أن هذا مؤشر خطير مما قد تحمل الناس في يوم من الأيام إلى العكوف عند القبور.
«الجزيرة» توجهت لفضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم، للتعرف على الرؤية الشرعية الصحيحة تجاه تلك الظاهرة؛ فقال:
أولاً: هذه المسألة التي ورد السؤال عنها أعني مسألة (اتباع المرأة للجنازة) مما اختلف فيها أهل العلم قديماً وحديثاً، فالمالكية وهو رواية عن الإمام أحمد على الجواز، وجمهور أهل العلم على النهي واختلفوا هل النهي محمول على الكراهة أم التحريم.
فالشافعية والحنابلة على أن النهي محمول على كراهة التنزيه ونقل ذلك النووي عن جماهير أهل العلم ومنهم جماعة من الصحابة كابن مسعود وابن عمر وأبي أمامة وعائشة وغيرهم كما في. (المجموع 5-278).واحتجوا لذلك بقول أم عطية رضي الله عنها: (نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا) رواه البخاري (1278)، ومسلم (938). قال القرطبي: (وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ سِيَاقِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ النَّهْيَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ) (فتح الباري 3-145).
وذهب الحنفية وهو رواية في مذهب الإمام أحمد واختاره بعض السلف وسماحة شيخنا ابن باز وشيخنا ابن عثيمين وعليه الفتوى عندنا أن النهي محمول على التحريم، لأن الأصل في النهي التحريم، ولما يخشى في ذلك من الفتنة لهن وبهن، ولأن زيارتها للقبور تخرجها إلى الجزع والندب والنياحة؛ لما فيها من الضعف وكثرة الجزع وقلة الصبر، وأيضاً لأن ذلك سبب لتأذي الميت ببكائها، ولافتتان الرجال بصوتها وصورتها، وهذا هو الراجح. فلا يحل للنساء أن يتبعن الجنائز، ولا يحل لهن أن يزرن القبور فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زائرات القبور كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأما قول أم عطية رضي الله عنها: (ولم يُعْزَمْ علينا)، فقد قال بعض أهل العلم: إن هذا من فقهها رضي الله عنها، ونحن مطالبون بما دلت عليه السنة، وهو قولها: (نُهِينا عنِ اتِّباعِ الجَنائزِ)، فإذا ثبت النهي فالأصل فيه التحريم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: (مجموع الفتاوى 24/ 355) وقولها: (ولم يُعزم علينا): (قد تكونُ هيَ رضي الله عنها ظنَّت أنه ليس بنهي تحريم، والْحُجَّة في قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا في ظنِّ غيره).
فالحاصل أن اتِّباع الجنائز حتى يصلَّى عليها، واتباعها حتى تدفن، وتولي حملها ودفنها، هو من خصائص الرجال، وليس للنساء في ذلك نصيب، وهذا هو ما جرى عليه عمل السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ثانياً: نصوص السلف في النهي عن خروج النساء على الجنائز:
جاء عن السلف نصوصاً بالتحذير من هذا الأمر فمن ذلك مثلاً:
* ما جاء عن الشعبي رحمه الله أنه قال: (خُرُوجُ النِّسَاءِ عَلَى الْجَنَائِزِ بِدْعَةٌ) أخرجه عبد الرزاق ح 6296.
* وعن ابن جريج قال: (قُلْتُ لِعَطَاءٍ: «خُرُوجُ النِّسَاءِ عَلَى الْجَنَائِزِ؟ قَالَ: «يَفْتِنَّ»)أخرجه عبد الرزاق ح6295.
* وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى 24/ 345): (الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ أَوْكَدُ مِنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَفِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ صَلَاتِهِنَّ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ لَهُنَّ اتِّبَاعَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّوَابِ فَكَيْفَ بِالزِّيَارَةِ).
* وقال أبو بكر الطرطوشي في كتاب (الحوادث والبدع ص336): (ومن البدع المنكرةِ عندَ جماعةِ العلماء: خروج النساء لاتباع الجنائز).
* وقال ابن المنذر في (الأوسط 5/ 388-389): (وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَةٍ: «صَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمَكِ»، فَإِذَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهَا فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ أُمِرْنَ بِالسَّتْرِ فَالْقُعُودُ مِنَ الْجَنَائِزِ أَوْلَى بِهِنَّ وَأَسْتَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ).
* ثالثاً: ذكرنا أن ما عليه الفتوى في بلادنا القول بتحريم اتباع النساء للجنازة والذي ينبغي علينا هو أن نلتزم بما عليه الفتوى في بلادنا، لا سيما إن كان القول الآخر يترتب عليه آثار سلبية تؤثر في المجتمع.
* رابعاً: أما الصلاة على الجنازة فهي مشروعة للرجال والنساء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن شَهِدَ الجَنازَةَ حتَّى يُصَلَّى عليها فَلَهُ قِيراطٌ، ومَن شَهِدَها حتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيراطانِ، قيلَ: وما القِيراطانِ؟ قالَ: مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ) رواه البخاري (1325)، ومسلم (946).