علي محمد إبراهيم الربدي
تناقل المواطنون داخل المملكة العربية السعودية وخارجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الواتساب وتويتر) وفاة العالم الجليل والخطيب البليغ صاحب الصوت الجميل العالم الزاهد الشيخ عبدالله بن صالح بن محمد بن أحمد القصير الذى ودع الدنيا يوم الأربعاء 1445/9/3هـ بعد معاناة مع المرض الذى أقعده عن الدعوة إلى الإسلام والتى عمل فيها سنوات طويلة منذ أيام الشباب.
ولد الشيخ عبدالله الصالح القصير بقرية الشقة العليَا من أعمال مدينة بريدة ومن بلدان القصيم عام 1370هـ وبالقصيم قريتان تعرف واحدة منها بالشقة السفلى التى ولد وترعرع فيها الشيخ بينما تعرف الأخرى بالشقة العليا ويفصل بينهما طريق الأمير نايف بن عبدالعزيز والمسافة بينهما لا تتعدى الـ20 كم والشقتان تقعان شمال غرب مدينة بريدة وكان الوصول إليهما يتطلب جهداً جهيداً ومشقة عظيمة قبل تنفيذ الطرق والنهضة التى شهدتها المملكة العربية السعودية بداية من عهد الملك عبدالعزيز إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التى تتطور يوماً بعد يوم.
تبعد الشقة العليا مسقط رأس الشيخ عبدالله عن وسط مدينة بريدة حوالي 50 كم وقد يستغرق الوصول إليها أكثر من ساعتين فى زمن مضى أما اليوم فإن الشقة العليا والشقة السفلى تحولت إلى أحياء من أحياء بريدة.
درس الشيخ عبدالله المرحلة الابتدائية وتخرج من المدرسة السعودية بالشقة العليا والتى سميت فيما بعد بمدرسة أسامة بن زيد التى افتتحت بأمر من الملك سعود عام 1376هـ حين كان وزير المعارف الأمير (الملك) فهد بن عبدالعزيز وكان معتمد التعليم بالقصيم آنذاك الأستاذ عبدالعزيز التويجري.
واصل الشيخ عبدالله القصير المولود بالشقة العليا من أعمال بريدة عام 1370هـ تعليمه بمعهد بريدة العلمي ودرس فيه لمدة ثلاث سنوات وكان طوال دراسته بالمعهد ساكناً مع زملائه (عزوبياً) مدة الدراسة فى زمن لم تكن فيه السيارة متوفرة كما هو الآن وقليل من الأسر من يملك سيارة حتى عام 1393هـ بعد نجاح اليابان بصناعة السيارات الهايلوكس والداتسون وتصديرها إلى المملكة العربية السعودية والتى لا يزيد سعرها عن سبعة آلاف ريال عندها توفرت السيارات وأهملت وسائل المواصلات القديمة كالحمير وتركت الجمال التى كانت تستخدم كوسائل من وسائل النقل داخل مدن المملكة وصارت بعض البيوت تملك سيارة واحدة فقط.
رحل الشيخ مع أسرته للعاصمة الرياض وأكمل دراسة المرحلة الثانوية بالعاصمة الرياض وحصل على شهادة المعاهد العلمية من معهد إمام الدعوة بالرياض والتحق بكلية الشريعة بالعاصمة عام 1396هـ التى ألحقت بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرج منها عام 1400هـ حاصلاً على شهادة الليسانس فى العلوم الشرعية المؤهل الذى أهله ليكون داعية من دعاة المسلمين.
عرف عن الشيخ منذ صغره حرصه على طلب العلم وحضور مجالس العلماء ومن الذين طلب عليهم العلم في بريدة وكان يحضر دروسهم الشيخ صالح البليهي والشيخ صالح السكيتي والشيخ علي الضالع ابن قريته وجميعهم عليهم رحمة الله كانوا يدرسونه بالمعهد العلمي ببريدة صباحاً ويحضر حلقات الدروس والمحاضرات التى يقيمونها بالمساجد التى يؤمون المصلين بها والتى عرفت بأسمائهم ومن العلماء الذين طلب العلم عليهم واستفاد من علمهم فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد إمام الجامع الكبير الذى تولى رئاسة المحاكم بالقصيم عام 1362هـ وتركها عام 1378هـ ثم عين مشرفاً على الحرم المكي بناءً على أمر صدر عن جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز عام 1384هـ.
تخرج الشيخ العلامة أبو صالح من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1400هـ وحصل على شهادة الليسانس مبتدئاً حياته العملية بوظيفة داعية بالرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء حتى عام 1410هـ.
فبعدها نقل خدماته الوظيفية مديراً للدعوة والمساجد بمنطقة الرياض وظل يمارس عمله كداعية داخل المملكة وخارجها ثم عين مستشاراً في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد حتى عام 1428هـ.
والشيخ عبدالله نحسبه والله حسيبه اتصف بصفات الرجال الذين وصفهم الله بالصدق، ولازم الشيخ عبدالعزيز بن باز بالعمل وتأثر به كثيراً وكان قدوته فى الالتزام بالعمل والتعامل مع الناس على اختلاف مستوياتهم.
عرف عن الشيخ عبدالله القصير أبو صالح شغفه فى طلب العلم والحرص على البقاء بالمساجد حتى بعد نهاية الصلاة وكان يجلس بعد الصلاة يعلم الناس ويجيب على أسئلة بعض المصلين والسائلين خاصة حين أصبح يؤم المصلين نحسبه والله حسيبه من السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم الشاب والرجل فقال عليه الصلاة والسلام (وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد..) الحديث.
وجميعها صفات التزم بها الشيخ عبدالله الصالح القصير طوال حياته فكان يؤم المصلين من شبابه ويصلي بالناس الجمع وأول هذه الجوامع التى صلى وخطب الناس بها جامع القوات المسلحة بالعليا بالرياض ثم جامع المنصور بالبطحاء ثم انتقل إماماً وخطيباً لجامع الأمير متعب ثم جامع الأمير فيصل بن فهد بن تركى وكان آخرها جامع الشيخ فهد العويضة وكلها بمدينة الرياض واشتهر بالخطب البليغة التى تصل إلى القلوب وتؤثر في النفوس يتحدث فيها الناس بالمجالس بعد كل صلاة جمعة حتى إن بعض المصلين كانوا يتركون الجوامع القريبة من منازلهم ليدركوا صلاة الجمعة مع الشيخ عبدالله القصير.
والشيخ عبدالله صاحب مؤلفات قيمة وخطب بليغة جامعة تصل إلى القلوب وجميعها طبعت فى كتب وسجل أغلبها على أشرطة وصاحب حسابات رسمية تهتم بنشر الدروس والمواعظ والمحاضرات التى يلقيها أولاً بأول استفاد منها الحاضر والباد.
ومن أشهر كتبه المطبوعة والمتوفرة بالمكتبات الخاصة والعامة:
الفوائد السنية على العقيدة الواسطية.
والمفيد على كتاب التوحيد.
والتعليقات على كشف الشبهات والبيان لأركان الإيمان والإصابة في حقوق وفضائل الصحابة وهناك كتب لا تزال تحت الطبع نسأل الله أن ينفع بها الجميع وأن تكون صلة بينه وبين خالقة قال عليه الصلاة والسلام ؛إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
تمت الصلاة على الشيخ عبدالله الصالح القصير فى جامع البابطين شمال الرياض وتقدم المصلين فى الصلاة عليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض ودفن بمقبرة شمال الرياض نسأل الله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يتغمد الشيخ عبدالله بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وعزاؤنا للقيادة الحكيمة ولأبناء الفقيد وبناته ولأسرة القصير خاصة وللمسلمين والمسلمات عامة ولا نقول إلا ما يرضى ربنا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} والصلاة والسلام على النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.