محمد بن عيسى الكنعان
بدأت الدراسة في رمضان للعام الجاري 1445هـ يوم الاثنين 11 مارس، وانتهت يوم الخميس 28 مارس، بواقع 14 يومًا، تخللها تعليق الدراسة ليومين في كثير من مناطق المملكة بسبب الأحوال الجوية؛ ما يعني أن المحصلة لم تتجاوز 12 يومًا دراسيًا فعليًا. وهنا يفرض السؤال نفسه: هل حققت الدراسة في رمضان غايتها التعليمية؟ وبالذات من حيث الحضور الطلابي والاستيعاب العلمي! خاصةً أن هناك أصواتاً - قبل رمضان - كانت تقترح منح الطلاب والطالبات في التعليم العام - الذين يصل تعدادهم إلى قرابة 6 ملايين طالب وطالبة - إجازة خلال هذا الشهر الفضيل بحكم تجارب السنوات الفائتة، فالإشكال ليس في كثرة غياب الطالب أو الطالبة خلال أيام الدراسة برمضان، إنما في وجود عوامل مؤثّرة تدفع لهذا الغياب أو تساعد عليه، أبرزها العائلات - وهنا لا أعمم - التي تعيش حالة إرباك مع أبنائها وبناتها في رمضان؛ بسبب تحول نمط الحياة برمضان، الذي يكون رتمه عاليًا وفاعلًا بالليل، ويقل النشاط في النهار مع عادة التأخر في النوم إلى الفجر، وانعكاس ذلك على وقت إيقاظ الطلاب والطالبات في الصباح الباكر. فهل تتوقع الوزارة من طالب ابتدائي أو حتى مرحلة متوسطة أو ثانوية - وفي أوج أجواء الأمسيات الرمضانية - أن يذهب إلى فراشه باكرًا، بينما واقع الحال أنه يبقى مع عائلته حتى موعد السحور ثم الصلاة حدود الساعة الخامسة فجرًا، لينام ويستيقظ الساعة الثامنة والنصف صباحًا لكي يُدرك الحصة الدراسية الأولى الساعة التاسعة! وهنا لا تسأل عن جاهزيته الإدراكية لتلقي دروسه خلال اليوم، ناهيك عن الحالة الجسمانية للطالب أو الطالبة الصائم وقدرة التحمّل، خصوصًا بالمرحلتين المتوسطة والثانوية. في المقابل؛ لا شك أن هناك عائلات كثيرة نجحت في المحافظة على برنامجها اليومي خلال رمضان بحيث لا يختلف كثيرًا عن الشهور الأخرى، وأجبرت أبناءها وبناتها على ذلك، لكن ما نسبتها في المجموع العام للسكان.
بتقديري أن حرص وزارة التعليم على استمرار العملية التعليمية وفق تقويمها الدراسي المعتمد - حتى خلال شهر رمضان المبارك - هو توجه يُعزّز قيم الانضباط والالتزام بقيمة الوقت لدى الطلاب والطالبات، وأن رمضان شهر عمل ودراسة وعبادة كبقية شهور العام، لكن السؤال المحك: هل نجحت الوزارة فعلًا بغرس هذه القيم في نفوس الطلاب والطالبات؟ وهل اقتنعت العائلات أصلًا بذلك؟ كيف لطالب أن ينضبط أو طالبة أن تستشعر الالتزام وهم يرون الجو العام حولهم، سواءً داخل البيت أو خارجه يتعارض مع برنامجهم الدراسي بالتوقيت والمعطيات. لهذا على وزارة التعليم - عبر إداراتها التعليمية بالمناطق - أن تعالج هذا الأمر من أرض الواقع وليس في المكاتب، وذلك بأن تُجري دراسة ميدانية عن المحصلة التعليمية للدراسة برمضان لهذا العام على مستويي الحضور والاستيعاب والنتائج! فما الفائدة من طالب أو طالبة تحضر ولا تستوعب (جسد بلا إدراك). وألا تتعامل الوزارة مع لغة الأرقام غير الدقيقة أو الإحصاءات غير الموثقة. وأن تخطط - من الآن - لمعالجة هذه الإشكالية التي تتكرر كل عام ولم ينجح أحد في حلها، فلا العائلة اقتنعت، ولا الطالب حضر، ولا الوزارة حققت هدفها التعليمي. فأول حلول هذه الإشكالية أن تُدرك وزارة التعليم أو القائمين على التقويم الدراسي أن الطالب والطالبة لا يمكن أن يُدركا بشكل كامل أو مؤثر حقيقة أن رمضان شهر عمل وعبادة كبقية الشهور مثل ما هو حاصل مع الموظف أو الموظفة، اللذين اعتادا بحكم الخبرة الحياتية والسنوات المتعاقبة على تكييف برنامجهما اليومي وفق طبيعة الحياة الرمضانية. وأن فكرة تحويل الدراسة برمضان إلى إجازة لن تخلخل التقويم الدراسي فما أكثر الإجازات الدراسية في هذا التقويم، فضلًا عن أن العودة إلى نظام الفصلين سيحل هذه المسألة! أما في حال إصرار الوزارة على اقتناعها بضرورة الدراسة في رمضان وأنها لن تنزل عند رغبة الطلاب والطالبات وأهلهم؛ فلا بد أن تُراجع مسألة بداية اليوم الدراسي الرمضاني ونهايته، بحيث يكون (من الساعة 12 ظهرًا حتى 3 عصرًا) أو يشابهه، بحيث يأخذ الطالب والطالبة كفايتهما من النوم، وتكون درجة الاستيعاب لديهمــا عاليــة، وجــاهزيتهما الجسمانية حاضرة.