محمد سليمان العنقري
قبل أيام انتشر تسجيل مصور لرجل الأعمال المعروف الأستاذ عبدالله العثيم ينبه فيه الأفراد لأهمية الادخار مهما كان بسيطاً فسيكون نافعاً عند الحاجة له أو إذا استثمر وتباينت الردود على منصة اكس ما بين مؤيد وهذا أمر طبيعي لنصيحة عامة ليست ملزمة لأحد إنما تفيد أي شخص يطبقها لكن الأهم هو قراءة في ردود من انتقد النصيحة مبررًا بأنها لا تتماشى مع التزاماته العديدة في تكاليف معيشته أو أي التزامات يقوم بتسديدها شهرياً مثل القروض أو أقساط مدرسية وغير ذلك وفي الحقيقة فإن هذه النصيحة تأتي من صاحب خبرة وتجربة تمتد لعقود في العمل التجاري تعرض خلالها لتحديات عديدة وعرف قيمة الادخار والتحوط ضد الأزمات فمن يعتقد أن تجنيب مبلغ مالي من دخله يقتصر فقط على الأفراد فهو مخطئ فحتى المنشآت تضع احتياطيات مالية لها لكي تواجه أي ظروف أو احتياجات طارئة وكل منشأة لا تقوم بذلك عندما تكون في وضع تشغيلي وربحي جيد بمستوى من الادخار يأخذ بعين الاعتبار تغير أحوال السوق نتيجة تراجع بالنشاط أو بالاقتصاد الكلي فهي من الحالات التي نسمع عنها في الأسواق بأنها أقفلت أبوابها أو تعاني مالياً وتحتاج لخطة إنقاذ عندما تتعرض للخسائر وتراجع أعمالها فصحيح أنهم مطالبون بتجنيب نسب من الأرباح في بنود الاحتياطيات النظامية أو الأرباح المبقاة لكن الحديث هو عن تخصيص مبالغ أكبر من النسب عند الحد الأدنى المطلوب نظاماً.
فالادخار ثقافة أساسية في المجتمعات وتحرص الدول على نشرها وزيادة الوعي بها وقد يكون السائد في مجتمعاتنا أساليب ادخارية قائمة على اجتهادات شخصية لا تضع أهدافاً واضحة لمستقبل هذه الأموال وأين يجب أن تتوجه حتى يستفاد منها مستقبلاً فالمبالغ المدخرة إما تخصص لحالات طارئة وإما للاستثمار طويل الأمد وبكل الأحوال فإنه يعد داعماً للاستقرار المالي للمدخر مع الزمن فعندما تغيب الاستراتيجية عن المدخر فإن الفائدة المرجوة تنخفض إما بتراجع القوة الشرائية لمدخراته إذا أبقاها أموالاً سائلة في حسابه لسنوات دون أي استثمار أو إذا ذهب جزءٌ كبير منها للمضاربة في أسواق المال مما يؤدي إلى زيادة التعرض للمخاطر وإمكانية تحقيق خسائر كبيرة نظراً لهامش المخاطرة الكبير فيها.
وهنا تظهر أهمية مساهمة المؤسسات المالية بتقديم النصح للأفراد من عملائهم بأهمية الادخار عبر ابتكار برامج ادخارية محدودة المخاطر فالمال لا يكفي أن تدخره والنصيحة بذلك هي جزء من الثقافة المطلوب نشرها بينما الجزء الآخر هو استثمار هذه المدخرات بالشكل الصحيح ولمدى زمني طويل حتى تتحقق الفائدة من خلال هذه المؤسسات المرخصة والتي يفترض أنها تدير الاستثمارات عبر منتجات مناسبة لكل شرائح المجتمع إضافة إلى أن من يقوم على ذلك مختصين يجيدون التعامل مع تقلبات الأسواق وكذلك انتقاء الفرص الجيدة.
ففي المجتمعات الاقتصادية المتقدمة بثقافة الادخار تجد أن المؤسسات المالية تقدم برامج ادخارية كحساب تنمية الطفل حيث يتم فتح حساب ادخاري يشترط فيه عدم السحب منه أو تصفيته قبل أن يبلغ الطفل سن الثامنة عشرة ويتم إيداع مبالغ بسيطة فيه مع ربطه بمنتجات استثمارية عالية الجودة وقليلة المخاطرة فهذه الحسابات الادخارية تلعب دوراً مهماً في تأمين مستقبل الطفل التعليمي وكذلك أهم الاحتياجات له عند دخوله مرحلة تحديد مستقبله مما يخفف الأعباء على الأسر خصوصاً كبيرة العدد فنجد أن حجم الإيداع قد لا يتعدى الـ 10 دولارات شهرياً. كما يسهم هذا النوع من الحسابات في تأمين سيولة للمؤسسات المالية قليلة التكلفة تساعدها على التوسع بتملك أصول واستثمارات ذات أثر إيجابي على كل الأطراف ولا تقف المسألة عند هذا النوع من المنتجات فهناك إمكانية لفتح حسابات ادخارية للأقل دخلاً تقوم على نفس المبادئ وبطرق تساعدهم على بناء الأصول من خلال الاستفادة من المنتجات المقدمة وبالتالي تحسين دخلهم وادخارهم مما يسهم بتحقيق الصحة المالية من خلال رفع عدد المتعاملين مع المؤسسات المالية.
مكافحة الأمية المالية من أهم البرامج التي يجب توسيع نطاق عملها بإشراف ودعم من الجهات المختصة وبمساندة عملية وعلمية من المؤسسات المالية ومناهج التعليم بمختلف المراحل فالادخار أساس الاستثمار وعندما تتعزز الثقافة الادخارية على حساب استهلاك الكماليات فإنها ستصبح عادة لدى الغالبية لكن نجاحها الكامل مرتبط في التوسع ببرامج الاسثمار حتى تنعكس الفائدة على المجتمع والاقتصاد ولعل صكوك صح الحكومية التي بدا برنامجها هذا العام تكون هي بداية لمرحلة جديدة من تنويع الفرص الاستثمارية تشجع من خلالها المؤسسات المالية الخاصة على طرح منتجات استثمارية أوسع نطاقاً امام الأفراد تحفزهم على الادخار والاستثمار بما يحفظ أموالهم وينميها.