د.عصام حمزة بخش
الدعاء من أهم العبادات التي يجب على المسلمين القيام بها، بل الدعاء مخ العبادة وأكثر من ذلك، فالدعاء وسيلة المسلم للتضرع إلى الله تعالى، والإيمان بأنه وحده مالك الملك باسط كفيه يغدق بها على السائلين، حيث يتم من خلال الدعاء إظهار الاعتماد الكامل عليه سبحانه والإلحاح في الطلب والانكسار لعظمته، في جميع أمور الدنيا والآخرة.
ويساعد الدعاء في تطهير النفس من الخطايا والذنوب، ويعتبر وسيلة للشكر والتقدير لنعمة الحياة وكل ما فيها، ولذلك فإن المسلمين يشعرون بأهمية كبيرة للدعاء والرجاء والطلب من المولى عز وجل.
وقد جاء في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:»إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغُلّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ كل ليلة يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر».
والدعاء في رمضان له أهمية عظيمة، فالمسلم يجتهد في طاعاته وعباداته خلال هذا الشهر الكريم الذي تتنزل فيه الرحمات والمغفرة من الله عز وجل على عباده، لذلك فرمضان فرصة ذهبية للمسلم لكي يدعو الله بأدعية يتقرب بها من الله ويطلب منه أمنياته الدنيوية والدينية التي يتمناها، وأن يتحرى الصائم أوقات الإجابة، وهي ولله الحمد والمنة كثيرة وفي أوقات متعددة ومختلفة، فليتحرَّ الصائمون إخلاصَ الدعاء، خاصة عند الإفطار وعند وقت الإمساك، وبين الأذان والإقامة وآخر الصلاة قبل أن يسلم بعدما يقرأ التحيات، والصلاة على النبي صلوات ربي عليه، والتعوذ بالله من أربع يدعو قبل أن يسلم بما شاء، كذلك ما بين أن يجلس الإمام لخطبة الجمعة، إلى أن تقضى الصلاة، والدعاء في سجوده، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة إلى قبل الغروب، كل هذه من أوقات الإجابة التي أرشدنا بها ديننا الحنيف.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة».
فاغنم أخي الكريم بشهر تتضاعف فيه الأجور والمثوبات من رب شكور, ولما للشهر من خصوصية في الدعاء، فإن الصائم ممن لا ترد دعواته إذا أخلص في صيامه وقيامه وصدق مع الله ففي الحديث «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ». وأوقات صلاة القيام والقنوت في جوف الليل، وآخر الليل، وثلثه الأخير, ولا ننسى أخي المسلم الصائم أن في كل ليلة من ليالي هذا الشهر الفضيل عتقاء من النار بفضله وكرمه وجوده، فلنلح ونلهج بالدعاء علنا نحظى بكرم الحنان المنان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال صلوات ربي وسلامه عليه: «إنَّ لله عتقاءَ في كلِّ يوم وليلة، لكلِّ عبد منهم دعوةٌ مستجابة».
هذا الوعد بهذا الكسب العظيم يَشْحَذُ هِمَمَ الصائمين للتسابق إلى إحسان عبادتهم، وعِمارة أوقاتهم من صيام وقيام وازدياد قُرْبَهم من ربهم، عسى أن يفوزوا بجل هذه المغانم الربانية.
لا تنسى أخي الصائم مكاسب أيام شهر الخيرات العشر الأواخر والتي فيها ليلة من خير الليالي والأيام والشهور، ألا وهي ليلة القدر والتي ينتظرها المسلمون بفارغ الصبر وجهاد للنفس بالدعاء والتقرب إلى الله طالبين العفو والمغفرة والرحمة منه علنا نحظى من رب العزة والجلال برحمته التي تسع كل شيء لعبادة بالرحمة والغفران والعتق من النيران.
ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره».
وحديث رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
وألا تضيّع ساعات هذه الأيام والليالي المباركات، فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات والموت الذي هو نازل بكل امرئ إذا جاء أجله، وانتهى عمره، فحينئذ يندم حيث لا ينفع الندم.
فاغتنم أخي الصائم هذه الأيام، وبل تكاد تكون سويعات، بكل وقتها لتحصين النفس والبعد بها عن هواها، بكثرة التهليل والذكر والتكبير والتسبيح في شهر المكرمات، بهذه الفضائل العظيمة، لما لها للنفس من راحة وسكينة واستشعار معية الله سبحانه في كل وقت وحين.
لا ننسى شهر رمضان فهو شهر القرآن من تلاوته قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ .
ولا ننسى بختمه أن نلهج بخير الدعاء الوارد عن النبي الكريم، وبما تراه لنفسك وصلاح أمرك فأنت بين يدي الله قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ .
وأخيرًا وليس بآخر لا ننسى في آخر يوم لشهر النفحات ونغفل عن فضائل ليلتها الكريمة، فأنت لا تزال أخي الصائم في ضيافة وكنف المولى عز وجل، لا تكاسل ولا غفلة مثلها مثل باقي أيام الشهر، وإنما الأعمال بالخواتيم فلا تستهين وتغفل عن الدعاء، اللهم اجعلنا من عتقاء شهْرِك العظيم، فأنت لا تزال، «امرؤ صائم».