د. معراج أحمد معراج الندوي
الصوم تربية روحية تطهر النفس البشرية مما يشوه جوهرها من الآثار والرذائل الأخلاقية، تنمية هذه التربية الروحية توفر الاستطاعة للإنسان ليتصل بالخالق ويستمد منه العون والإشراق والطمأنينة لأن الحياة الروحية هي التي تضفي على حياة الإنسان الإشراق والبهجة في الدنيا والأمل السعيد في الآخرة، ومن ثم تجعل الإنسان يعيش في حياة واسعة النطاق أوسع بكثير من نطاق هذه الحياة المادية. إن الحياة الروحية طاقة دافعة للالتزام بالواجبات وقوة للقيام بالمسوؤليات، وقوة لأداء الأعمال الفاضلة فوق الواجب وفوق المسؤولية، ومن هنا تلتقي التربية الذاتية بالتربية الأخلاقية في تطهير النفس من الرذائل وتنمية روح الخير.
تربية الذات هي عملية العمل على تحسين الجوانب المختلفة للشخصية وتطويرها، وهي تشمل العمل على تحسين المهارات الشخصية والاجتماعية والعاطفية والذهنية والجسدية، وتهدف إلى تعزيز الثقة بالنفس وتحسين العلاقات الشخصية والاحترام الذاتي والتحول إلى نسخة أفضل من الذات.
وتهتم بتطوير الذات الإنسانية وتنميتها والارتقاء بها إلى أعلى مستويات الوعي والمعرفة من خلال معرفة مكامن الضعف فيها ومعالجتها، ومكامن القوة وتوظيفها، ويعتمد هذا بالأساس على تجارب البشر المختلفة ويحولها إلى أسس معرفية تساعد في تغيير الإنسان وتطوير مواهبه وقدراته الذاتية.
الصوم يساعد الإنسان على أن يكون صاحب إرادة قوية تمكنه من تغليب العقل مصدر الرقي على الشهوة مصدر الهوى، فتوقف الإنسان عن تناول أكثر المباحات ضرورة لبقاء الحياة الطعام والشراب طوال اليوم في رمضان يقدم تدريباً للإنسان على ممارسة مهارات التنمية الذاتية. فإرادة التغيير هي الأساس في تطوير النفس بهدف الوصول للنجاح، فتأهيل الذات وامتلاك المهارات مع وضوح الهدف مطلب ملح وضرورة مؤكدة للقيادة نحو النجاح في ميادين الحياة.
الصوم عبادة روحية تهذب الروح والوجدان، هذه العبادة يتعرض فيها البدن لألم الجوع والحرمان من الملذات البدنية. ولا شك أن الصيام وهو بهذه الحالة يترك آثارًا تربوية ذاتية على الإنسان مثلاً تقوية إرادته وشحذ همته إلى معالي الأمور، وتحفيزه إلى السبق في مواسم الخير، فالصوم يمنح الإنسان القوة في حياته التي يستعين بها بعون من الله على التحكم في إرادته.
إن الصوم مدرسة إيمانية عظيمة تزكي النفس وتمدها بطاقة نفسية كبيرة، وتصفي روحه من رواسب الشر ومثالبه، وبالتالي تجعله طائعاً محباً للخير ومبتعداً عن الشر كما يقوم الصيام على تدريب الذات وتربيتها وتهذيبها وتقويم السلوك الإنساني، فالصوم يدفع الإنسان إلى مكارم الأخلاق، فهو ينظم حياته ويربيها ويقويها ويصل بها في التربية إلى أعلى مستوى، وهذا الأثر التربوي من أدق الآثار التربوية.
إن التربية الذاتية وضبط النفس، وإصلاح القلوب، جوانب لا غنى عنها للبشرية، وللصيام دروس تربوية في الكفاح واحتمال المكاره، وتدرب الإنسان على تقوية إرادته، والتحكم في الذات، وفي هذه الأيام الرمضانية المعدودات تصنع الشخصية الناجحة المتكاملة ذات الهمة العالية، صاحبة الأخلاق والقيم الرفيعة.
الصوم يدرب الإنسان على القضاء على السلبيات السلوكية في حياته، بما يمده من طاقة إيجابية فعّالة في تحويل الأمور السلبية إلى أمور إيجابية، فالصوم يقوي الإرادة ويشحذ العزيمة ويعلم الصبر ويساعد على صفاء الذهن وإنفاذ الفكر وإلهام الآراء الثاقبة، وعندما يمتلك الفرد قوة الإرادة يستطيع أن يتغلب على الصعاب والمشاق والمواقف الصعبة التي تواجهه في حياته اليومية.