عبدالرحمن الحبيب
مناقشة في اجتماع رسمي.. محادثة عتاب بين صديقين.. مهندس معماري يحاور المقاول ...إلخ. هناك محادثات تسير بشكل رائع وأخرى تفشل بشكل ذريع وبينهما مستويات مختلفة من التفاهم والتواصل.. يرى تشارلز دوهيج (Charles Duhigg)، مؤلف كتاب قوة العادة الحائز على جائزة بوليتزر أن هناك ثلاثة أنواع من المحادثات: عملية تحليلية (ما هو هذا الأمر فعلاً؟)، وعاطفية (كيف نشعر؟)، واجتماعية مبنية على الهوية (من نحن؟).
يقول دوهيج إن التواصل هو قوة عظمى، وأنه «يمكننا أن نتعلم التواصل بطرق أكثر فائدة إذا تمكنا من فهم كيفية عمل المحادثات»، وذلك في كتابة الجديد «التواصل الفائق» (Supercommunicators)، والذي صدر قبل أيام، موضحاً أن ما سمَّاه «المتصلين الفائقين» يبنون الثقة، ويقنعون الآخرين، ويكوّنون الصداقات بسهولة أكبر لأنهم صقلوا مهارات مثل «المطابقة» وهي التعرّف على نوع المحادثة التي يجريانها، سواء كان الأمر يتعلق باتخاذ قرارات، أو نقل المشاعر، أو تكوين رابطة؛ و»تكرار» تكرار ما قاله المحاور بكلماته الخاصة.
من خلال التقارير ونتائج التجارب والأبحاث في العلوم الاجتماعية المليئة بالرسوم البيانية والنصائح يقدم الكتاب إطارًا للحصول على تفاعلات أكثر تعاطفاً وإنتاجية في التواصل مع الآخرين.. تعال إلى غرفة هيئة المحلفين، حيث يقود أحد المحلفين غرفة منقسمة بشكل صارخ للتوصل إلى توافق في الآراء.. اجلس مع جراح بارع وهو يحاول، ويفشل، في إقناع مريض آخر بالسرطان باختيار مسار العلاج الأقل خطورة. يمزج المؤلف بين البحث العملي ومهاراته في سرد القصص لإظهار كيف يمكننا جميعًا أن نتعلم كيفية تحديد الطبقات المخفية التي تكمن تحت كل محادثة والاستفادة منها؛ والسبب الذي يجعل بعض الأشخاص قادرين على إسماع صوتهم، وسماع الآخرين بكل وضوح.
يقول دوهيج: «يمكن لأي شخص أن يتعلم كيفية التواصل الفائق». الخطوة الأولى: تحديد نوع المناقشة التي تجريها. تكون المحادثات تحليلية (ما هو هذا الأمر حقًا؟) أو عاطفية (كيف نشعر؟) أو مبنية على الهوية (من نحن؟). ويعترف بأننا نميل إلى التبديل بين هذه الأنواع أثناء المحادثة، ولكن للتواصل بشكل أفضل، يجب أن يشارك المحاورون في نفس النوع من التبادل في نفس الوقت.. وأفضل المتواصلين يدركون أنه عندما نتحدث، فإننا نشارك في الواقع في واحدة من هذه المحادثات الثلاث.
يعرف أصحاب التواصل الفائق أهمية التعرّف على كل نوع من المحادثات ثم مطابقتها، وكيفية سماع المشاعر المعقدة والمفاوضات الدقيقة والمعتقدات الراسخة التي تلون الكثير مما نقوله وكيف نستمع إليه. إن تجاربنا وقيمنا وحياتنا العاطفية، وكيف نرى أنفسنا والآخرين، تشكل كل مناقشة، بدءًا ممن سيصطحب الأطفال إلى الطريقة التي نريد أن نعامل بها في العمل. في لحظات الجدل، يجب على المحاورين إظهار أنهم يستمعون - بدلاً من الإعداد الصامت للتفنيد - من خلال طرح الأسئلة، وتلخيص آراء الشخص الآخر، وطلب التأكيد؛ وهذا يساعد الناس على الشعور بالأمان الكافي لتلقي آراء شخص آخر ومشاركة آرائهم الخاصة.
لإقامة اتصال عاطفي، «نحتاج ببساطة إلى سؤال الناس عن شعورهم والرد بالمثل على نقاط الضعف التي يشاركونها معنا»، كما ينصح دوهيج. تتم تنمية المعاملة بالمثل من خلال «التكرار من أجل الفهم» (المعروف أيضًا باسم الاستماع النشط)، وتحديد ما يحتاجه الشخص ردًا على ذلك وطلب الإذن بالمشاركة. إن طرح الأسئلة، ويفضل أن تكون حول القيم، ومطابقة مزاج الآخرين يعزِّز التوافق الجماعي.
في الوقت الذي حظي به الكتاب حال صدوره باهتمام كبير، فإنه أيضاً تعرض لنقد من ناحية كونه من نوعية كتب المساعدة الذاتية، التي ازدهرت منذ السبعينيات، فهي مغرية للغاية عبر الوعد بالتغيير وكيفية أن تعيش حياتك بشكل أفضل، من خلال تطبيق بعض الأفكار المنطقية التي في الغالب يصعب تطبيقها على أرض الواقع أو ربما يستحيل.
وكان للمؤلف مساهمة عام 2012 في هذا النوع من الكتب بكتاب «قوة العادة» والذي أمضى أكثر من ثلاث سنوات في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في صحيفة نيويورك تايمز. كان مفهومها الأساسي هو أن السلوك - سواء كان للأفراد أو المجموعات - يمكن تغييره عن طريق تعطيل «حلقة العادة» من المحفزات والروتين والمكافأة. واستمر دوهيج بهذا النوع عام 2016، التي تحمل عنوان Smarter Faster Better، حول الإنتاجية، من أكثر الكتب مبيعًا أيضًا. والآن الكتاب الجديد هنا يحاول أن يجعل للشخص القدرة على التواصل بفعالية في أي محاورة أو محادثة.
تقول الكاتبة ميا لفيتن: في حين أن كتابه «قوة العادة» شارك في دراسات رائدة عن السلوك البشري، فإن القراء المتمرسين في العلوم الاجتماعية في العقدين الماضيين لن يجدوا الكثير من الجديد في كتاب التواصل الفائق. يبدو أن دوهيج، الذي كان يحظى بالإعجاب في السابق بسبب تمشيطه في الأوراق البحثية الأكاديمية، قام بالبحث في قسم المساعدة الذاتية في مكتبته المحلية بدلاً من ذلك.