عبد الله سليمان الطليان
في العام 1983 أصدر الرئيس رونالد ريغان أمراً بإتاحة نظام تحديد المواقع (GPS) الذي كان مشفراً آنذاك للمدنيين, فأصبح مع مرور الوقت مرتكزاً لعدد هائل من التطبيقات المعاصرة, وصار أحد العلامات الخفية الثابتة التي تنظم الحياة اليومية.
إذ تُوجه بيانات هذا النظام رحلات السيارات والشاحنات وتحدد مواقع السفن وتحمي الطائرات من التصادم وترسل سيارات الأجرة، وتتبّع مخزون الإمداد والتمويل وتأمر الطائرات المسيرة بتوجيه الضربات، ويعتبر بالأساس ساعة فضائية ضخمة، ولكن اعتمادنا المتنامي على هذا النظام يخفي حقيقة أن أمريكا ما زالت تتحكم في إشارته التي تحتفظ بالقدرة على حرمان أي منطقة تختارها وكذلك التلاعب بإشارته، في عام 2017م كشفت التقارير الواردة من (البحر الأسود) عن تدخل متعمد عبر نظام ( GPS) في منطقة واسعة يجعل أنظمة الملاحة بالسفن تعين مواقعها على مسافة تبعد عشرات الكيلومترات من مواقعها الحقيقية، ووجدت نفسها قد جنحت فعلياً إلى إحدى القواعد الروسية.
في حالة أخرى شوّش عمال يجري تتبّع أعمالهم عن بُعد من خلال النظام كسائقي شاحنات لمسافات طويلة على الإشارات التي يرسلها النظام لتمكينهم من الاستمتاع بالراحة واتباع طرق غير مصرح بها والتخلي عن مستخدمين آخرين في طريقهم. نأتي إلى الحالات الخطرة والمميتة في بعض الأحيان، يعتمد طاقم الطائرة على الطيار الآلي الذي يبرمج وفق مسار الرحلة، كانت هناك رحلة لإحدى الخطوط الجوية في كوريا، أقلعت الطائرة من مدينة (انكوراج) بولاية ألاسكا يوم 31 أغسطس من العام 1983م وقد برمج طاقم الرحلة طيارهم وفق البيانات التي أمدتهم بها المراقبة الجوية، وكان الطيار الآلي مبرمجاً من قبل بسلسلة من علامات الإرشاد التي ستوجه الطائرة خلال رحلتها فوق المحيط الهادي إلى مدينة (سيئول) وبسبب خطأ في الإعدادات ولم يستمر الطيار الآلي في اتباع طريقه المرسوم مسبقاً بل حافظ على اتجاهه المبدئي الذي حمل الطائرة بعيداً عن طريقها المقصود في اتجاه الشمال وبعد أن غادرت أجواء ألاسكا ومرور خمسين دقيقة من الرحلة، كانت على مسافة اثني عشر ميلاً شمال موضعها المتوقع ومع استمرارها في التحليق زادت المسافة لتصل إلى خمسين ميلاً، ثم مائة ميل عن مسارها المراد، ودخلت أجواءً عسكرية سوفيتية فوق شبه جزيرة (كامشكاتكا) وتابعوا التحليق عندها اندفعت الطائرات المقاتلة لاعتراضهم وبعد ثلاث ساعات لم ينتبهوا للموقف كلياً فقصفتهم إحدى الطائرات السوفيتية المقاتلة بصاروخين.
وإلى حالة أخرى أيضاً كانت هناك جماعة من السائحين اليابانيين تحاول الوصول إلى إحدى جزر أستراليا لكنهم قادوا سيارتهم إلى أحد الشواطئ ومن ثم إلى قلب البحر مباشرة، لأن نظام التوجيه عبر الأقمار الصناعية أكد لهم وجود طريق صالح، وكان من الضروري إنقاذهم بسبب ارتفاع المد من حولهم، لكن كانوا بعيدين عن الشاطئ بنحو خمسين قدماً، وفي حالة مشابهة قام مجموعة في ولاية واشنطن بسيارتهم برحلة إلى قلب إحدى البحيرات، ولكنهم وُجّهوا بالنظام بعيداً عن الطريق الرئيسي ثم إلى أحد أرصفة القوارب، وبعثوا نداء استغاثة وجدت سيارتهم تسبح في المياه العميقة من دون أن يظهر منها سوى حمالة السقف، ولقد صارت تلك الحوادث أمراً شائعاً في هذه المنطقة بالنسبة لحراس المكان يصفونها بأنها الموت بال( GPS) الذي يصور ما يجري عندما يتبع مسافرون غرباء عن المنطقة التعليمات وليس إحساسهم الخاص.