علي الخزيم
- ثلاثون ليلة بأيامها الرمضانية نصوم نهارها نتلو القرآن الكريم وندعو الله سبحانه خوفاً ورجاءً ونطمع برحمته جل شأنه، وإذا جَنَّ الليل تطهرنا وتوجَّهنا إلى المساجد للتراويح والتهجّد لمزيد من التّقرب للمولى عز وجل، فهذه من أطيب وأجمل المواقف أمام الله خلال الشهر الكريم، غير أن البعض يَنْسَى أن من مُكملات هذه المواقف الإيمانية الطاهرة ما يبقى بين الإنسان وبين ذويه وأهله ومجتمعه.
- فلا يليق بالإنسان صادق الإيمان أن يقف ليلاً بين يدي الله متضرعاً مبتهلاً، ثم يخرج إلى منزله أو مجتمعه المُحيط فيُناقض ما خالج نفسه وقلبه ومشاعره من روحانية إيمانية كانت وسيلته ورابِطَه مع الله، وكيف يرجو المرء رضا ربه حين يناجيه بِصَلاته فإذا ما خرج للناس خالف بعض أخلاق المسلم المؤمن الصادق بأقوال وأفعال تتنافى مع خُلُق القرآن والإيمان؟!
- وأميل بالحديث هنا للرجال؛ فأقول: إن من المناسب استثمار الليالي الرمضانية وروحانيتها باستذكار ما يُلوّث ويُعكر علاقة الأخ بأخيه وبينه وبين أفراد أسرته وقرابته؛ فحين بدأ بنفسه مع الله سبحانه فالأجدر ألَّا يُهمل علاقته بالآخرين فهي مكمّلة ومتمّمة للفضائل؛ ولتجميل ذاته وتَصفِية ما قد يُخالج قلبه ونفسه من ترسُّبات بعض العلاقات معهم، وألَّا يتهيَّب البدايات والإقدام على مثل هذا العمل الجليل المندوب إليه وما تَعارف الناس عليه بأنه مِن أعلى مكارم الأخلاق.
- مما يُدخل السرور على النفس الرَّضية الطاهرة العمل - ما أمكن - على ترميم العلاقات (الأسرية والأخوية) ومع الآخرين عامة إن كان قد طالها بعض الفتور؛ أو انتابها شيء من التَّصدع، والمبادرة من أطيب ما يكون بهذا الجانب الأخوي وما أجمله من الصغير تجاه أخيه الكبير إن كان بينهما بعض الصدود والجفاء، وهي أمور تحدث عند كل البشر ولا غرابة بذلك، إنما الغريب أن نتركها تتضخم وتنمو ونحن نشاهد آثار تفكيكها وتدميرها للعلاقات!
- قد يُبادر أحد الأخوين للتصافي مع أخيه فلا يجد القبول المأمول منه، فلا بأس بذلك؛ فقد كسب أجر وثواب السّباق للصّلح وصلة الرحم وروابط الأخوة، كما أراح نفسه ومشاعره من أذى القطيعة بفعل ما يجب عليه، فهو قد ارتاح من حِمل ثقيل لأنه بِقلب وضمير حَي يدفعه لمكارم الأخلاق وحسن التعامل، فإن لم يجد صَدىً مُرَحّباً وقبولاً لإقدامه ومبادرته فلا ضَير ولا ملامة عليه، وقد كسب الجميل باتباع السبيل القويم للتواصل مع ذويه وأهله وإن قاطعوه، ومِمَّا نسب للإمام الشافعي:
(فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ
وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا)
- فقبل التَّطيب بالبخور صباح العيد ومراسم الابتسامات (ما صَدَق منها وما كذب)، والقُبُلات والأحضان الأخوية، وقبل التباهي والاستعراض بالبشوت والملابس الزاهية، والمبالغة برش العطور الفاخرة من أعلى العقال إلى أسفل الحذاء، قبل كل هذه الاحتفاليات الشَّكلية أول سويعات العيد: (هَلَّا احتفلنا بتصافح القلوب وتطهير النفوس من أدران الخلافات والبغضاء)؟! افرحوا به عيداً سعيداً كما يجب، يرحمكم الله.