م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - منذ فجر التاريخ تعرضت المجتمعات البشرية إلى أنواع من الحصار.. بعضه امتد لأكثر من جيل، وهذا أثر على مفاهيم وقيم تلك المجتمعات، كما أثر على عاداتهم ومعتقداتهم وزاوية رؤيتهم للأمور.. القليل من هذا الحصار يكون خارجياً.. والأكثر يكون حصاراً داخلياً يفرضه زعيم منغلق الفكر ضيق الأفق كما يفعله اليوم (كيم) في كوريا الشمالية.
2 - التاريخ يشهد أن المجتمعات التي تم الحجر عليها سنيناً طوالاً.. وعُزلت عن العالم كله حتى تخلفت استمرأت هذا التخلف.. وصورته لأبنائها على أنه صنو للأصالة والحفاظ على التقاليد.. وكيف أنهم أطَّروا تخلفهم بإطار عنصري، فهم الأنقى عِرْقاً والأسمى ديناً والأرقى ثقافة.. وأنهم في نور وبقية العالم في ظلام!
3 - بعد تلك السنين الطوال من العزلة أصبح من العرف المجتمعي أن يكون التفكير بغير السائد مخالفة يؤنَّب فاعلها، وأن الجهر بما يخالف المعتاد تَعَدٍّ يعاقب عليه القانون.. أما إذا حاولت الخروج عن السمت الذي رسمه المجتمع لنفسه فسوف يتم إقصاؤك.
4 - وحتى يمكن التحكم بأفراد المجتمع سَنَّتْ تلك الدكتاتوريات نُظماً تجعل التشكيك في النور الذي يعيش فيه المجتمع تشكيكاً في الدين أو الوطنية.. وأن ترى مجتمعك متخلفاً عن المجتمعات الأخرى فهذا تغريب يخرجك من أعراف الأصالة.. وأن ترى الحرية الفردية حقاً إنسانياً فأنت منفلت متهتك وغايتك الانحلال.
5 - الذي فعله (صالح) في ألبانيا بعد الحرب العالمية الثانية ولمدة ثلاثين سنة، و(كاسترو) في كوبا منذ الستينيات، و(إل سونج) في كوريا الشمالية حتى اليوم، وغيرهم في بلدان أخرى كثيرة.. جعلت تلك البلدان بمجتمعاتها تتوقف عن النمو خلال السنوات التي تولى فيها حاكمها الدكتاتور.. وكلما طال أمد حكمه كلما ازداد الناس يقيناً بأنهم في نعيم والآخرين في شقاء، وأنهم في نور والآخرين في ظلام، وأن عاداتهم جعلت منهم مجتمعاً راقياً وأن عادات الآخرين جعلت منهم مجتمعات متوحشة.. وأن فقرهم أكسبهم تهذيب الروح، وأن غنى الآخرين أفقدهم التهذيب وزاد فيهم الانحلال والدعوة للرذيلة!
6 - لقد حكمت تلك الدكتاتوريات على مجتمعاتها بأن تكون كمن يعيش في قاع بئر عميق، حدوده ضيقة فلا أمل ولا توسع ولا نمو، والأفق مسدود والأمل مفقود والنمو معاق.