د. إبراهيم بن جلال فضلون
«الناخب قدم تقديره ورسالته عبر صندوق الاقتراع»، هذا ما كان وما زال يكرره الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان في خطاباته، وكأنه يلوم الشعب على ما صار في الفترة القصيرة التي كانت بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وفاز فيها أردوغان بالرئاسة، وتحالف الجمهور الحاكم بأغلبية البرلمان، وبين الانتخابات المحلية الحالية التي قهرت قلوب حزبه بتفاصيل نتائجها، التي كانت تصويتاً عقابياً، فتأثيرها المباشر على الحياة السياسية في البلاد ضئيل، لكنه مؤشراً يُدعم الخسارة، بتقدم حزب الرفاه الإسلامي مجددًا في هذه الانتخابات وحلوله في المركز الثالث، وكان حليفاً فيما مضى للعدالة والتنمية في 2023، لكنها رسائل قوية وعقابية للقيادة السياسية عبر صناديق الاقتراع، فكان الاحتجاج مقاطعةً أو إبطالًا للصوت أو التصويت لأحزاب أخرى أداة للتنبيه، رغم أنه لم ولن يهز الاستقرار في البلاد، فما زال أردوغان رئيسًا والتحالف الحاكم حائزًا أغلبيةَ البرلمان.
ونسبة المشاركة المتدنية تمثل عزوف واضح عن المشاركة في الانتخابات بين أنصار حزب العدالة والتنمية، وصعود حزب الرفاة القريب منه أيديولوجيًا، وكأنه «بديل آمن» لبعض الناخبين.
ومن هنا نجد أسباب للهزيمة، أولها الأوضاع الاقتصادية المتردية دون إجراءات حكومية ناجحة، وكذلك غضب شريحة المتقاعدين والموقف من العدوان على غزة، ومساعداته لإسرائيل، حيث طالبت الشريحة المحافظة على وجه التحديد مرارًا بخطوات عملية إضافية لنصرة أهل غزة وتحديدًا ما يتعلق بالتجارة مع دولة الاحتلال دون أن تلقى آذانًا صاغية، حتى ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي صور لناخبين كثر أبطلوا أصواتهم بكتابة شعارات داعمة لغزة ومنتقدة لموقف الحكومة «المتقاعس» منها، فكانت نتائج الانتخابات المحلية رسالة صادمة وحادّة للعدالة والتنمية الذي أهمل ناخبيه وأنصاره ولم يستمع لأصواتهم، ليدق ناقوس الخطر بخصوص الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في 2024، وسيكون ذا كلفة مرتفعة جدًا، بإيصال المعارضة لسدة الرئاسة و/أو أغلبية البرلمان، ولذلك أجّلت بعض الشرائح ذلك للانتخابات المحلية الأخيرة، فهل سيكون للمعارضة عرش تركيا التي سيكون أحد مرشحيها الرئاسيين رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، ولا ننسى أن الحزب الحاكم سيدخل الانتخابات هذه بدون حصانه الرابح أردوغان، فأمامهم أربع سنوات لاستعادة ثقة الناخبين والإعداد لانتخابات 2028 في حال أثبتوا جدّيتهم وصوت الشارع التركي، فهل سيتجاوب أردوغان وحزبه مع رسائل الصناديق بخصوص المطلوب من تغييرات وتحسينات جوهرية وحقيقية وليست شكلية.