مها محمد الشريف
يكمن السر في الرموز الغامضة والشيفرات المبهمة في الأحداث والوقائع ولعلنا نذكر مختصراً مفيداً من هذه الرواية التي دارت تفاصيلها في العام 1991، حيث وضعت وثيقة في خزنة مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، ولا تزال موجودة هناك حتى اليوم. يشتمل نصها المشفّر على إشارات إلى باب قديم وموقع مجهول تحت الأرض. كما تحتوي الوثيقة على جملة «إنه مدفون هناك في مكان ما».
فالأسرار المدفونة مخبأة ببراعة وهذا العالم الضخم يتحدث اليوم عن أحداث محجوبة ومنعطف تتوقف عنده قصة غريبة تقود إلى أنفاق سرية قالوا عنها «متلازمة هافانا» فصلوها بتقرير يخبر عن دور استخباراتي لمرض «متلازمة هافانا» الغامض الذي أصاب دبلوماسيين وعملاء أميركيين في أنحاء العالم ربما يكون مرتبطاً بأسلحة طاقة يستخدمها أعضاء في وحدة تخريب تابعة للمخابرات العسكرية الروسية.
في الوقت الذي تبقى فيه السياسات ثابتة والخيارات المصيرية تتعلق بكيفية مواجهتها للتحديات، وهناك الكثير الذي يشرح نفسه بنفسه بداية من تحقيق مخابرات أميركي صدرت نتائجه العام الماضي إلى أنه «من غير المرجح جداً» أن يكون خصم أجنبي مسؤولاً عن المرض، الذي أبلغ عنه لأول مرة مسؤولو السفارة الأميركية في العاصمة الكوبية هافانا في عام 2016 . ولكن الدراسة التي أجرتها المعاهد الوطنية للصحة، كالوكالة الرئيسية المسؤولة عن الأبحاث الطبية في الولايات المتحدة، والتي استمرت ما يقرب من الـ5 سنوات، لم تقدم أي تفسير للأعراض التي أبلغ عنها للمرة الأولى في كوبا عام 2016 وبعد ذلك من قبل مئات الموظفين الأميركيين في بلدان متعددة والتي شملت الصداع ومشكلات تتعلق بالتوازن وصعوبات التفكير والنوم.
لكن تناقضات بعض النتائج السابقة التي أثارت شبح إصابات الدماغ لدى الأشخاص الذين يعانون، ووصفتها وزارة الخارجية الأميركية بأنها «عوارض صحية شاذة». فهل الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية إلى تاريخ اليوم لا تزال تحتل المرتبة الأولى في تحديد مفردات الحوار العالمي ونهايات القصص والروايات؟، وتوقد الأذهان بأن روسيا العدو الأوحد القادر على مواجهة مواقفها وادعاءاتها وتحاول قدر الإمكان الاصطدام معها، أم أن الواقع لا يتلاءم ضد الخطر الخارجي؟..
إذا حللنا بعمق هذه الرواية وبحثنا عن الرمز المفقود في اللغة السياسية الذي يهمنا طرحه هنا، وما هو أكيد، حول ما حدث في عام 2021 عندما خرجت واشنطن عن صمتها وهددت موسكو بشأن «متلازمة هافانا»، فهل ترزح واشنطن تحت وطأة هواجس متنوعة بين القضايا التي تشمل روسيا والصين وبين بقاء الحضارة والحرب النووية والدمار البيئي، لكن إنسايدر، التي تعتبر مجموعة إعلامية استقصائية تركز على روسيا ومقرها في ريجا بدولة لاتفيا، التي ذكرت أن أعضاء من وحدة المخابرات العسكرية الروسية المعروفة باسم 29155 كانوا في مكان الحوادث الصحية المبلغ عنها والتي تعرض لها موظفون أميركيون.
في النهاية نرى أنه مهما كانت المفاجآت لا يوجد هنا سوى نذر يسير لمن ينتظرها أو يستغربها، فقد اعتاد الناس على مستويات متفاوتة من المفاجآت السياسية المهيمنة، التي شاركت خلالها سبع وكالات استخباراتية في الولايات المتحدة، من أجل النظر في حالات نحو ألف حالة ممن عانوا «حوادث صحية غير عادية».
لذا، لكل قوة بعض الأشياء التي لا تدرك، تحيط بها السرية الغامضة لكي لا تصل السياسة إلى الشعور بحدودها والتوقف عندها.