د. محمد بن إبراهيم الملحم
الآباء والأمهات يطالبون المعلمين أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم وبناتهم، ولكنهم يغفلون تمام الغفلة أنهم أول من يجب أن يتحلى بهذه الصفة ويتسم بكل أبعادها ووجوهها المختلفة، فالوالدان هما أول حلقات التربية والتعليم في حياة الطفل، ويقول أحد الحكماء إن الطفل الصغير يقول إن أبي يعرف كل شيء ثم إذا كبر قليلاً قال إن أبي يعرف أكثر الأشياء ثم إذا كبر أكثر قال إني أبي يعرف بعض الأشياء ثم إذا كبر أكثر قال إن أبي لا يعرف شيئاً، وإذا كبر أكثر وأكثر وأكثر قال لقد كان أبي يعرف أفضل مني، وهذه المقولة الجميلة تذكرنا بأهمية العلاقة الأبوية والأمهاتية بين الوالدين وأطفالهما ذكوراً وإناثاً، ولذلك فإن مهمتهم ليست سهلة كما يتصور كثير من الناس، بل إن هناك أشخاصاً قد يُعرضون عن فكرة الزواج وتكوين أسرة لخشيتهم من هذا الدور الحساس والجسيم في مسؤوليته والذي قد يتطلب في الواقع أن يغيروا من تصرفاتهم وسلوكياتهم وعاداتهم إلى أنماط أقرب للمثالية والكمال أملاً في تمثل القدوة الحسنة لأولادهم الذين يراقبونهم ليل نهار وساعة بعد ساعة طوال يومهم.
هذه المهمة الشاقة والتي تحمل في نهايتها نتائج أسرية راقية وجميلة لا يقدر بعضهم مشقتها أولا يريدون مكابدة هذه المشقة بأي حال من الأحوال فيعيشون حياتهم بنفس نزقهم الشبابي أو الطفولي أو المراهقي، كل بحسبه، فلا يقدم لأطفاله أي لون من ألوان القدوة الحسنة الطيبة ولا يتمثل دور المسؤولية الوالدية بل يتعايش مع هذه المخلوقات الصغيرة من باب التسلية وتمضية الوقت لا أكثر، وأدلة ومؤشرات هذه الحالة متنوعة، وأقدم لكم اليوم واحدة منها عايشناها مؤخراً في ختام فترة دوام المدارس حيث مارست عدد من الأمهات ومارس مثلهن أيضاً الآباء دوراً سلبياً مغرقاً في اللاتربوية إذ انساقوا وراء نزوات أولادهم وبناتهم الطلاب والطالبات عندما أبدوا لهم رغبتهم في عدم الحضور والتغيب عن آخر ثلاثة أيام من الأسبوع المسكين الذي يأتي في آخر فترة الدوام سابقاً الإجازة ليعتسف الطلاب (وأولياء أمورهم بالدرجة الأولى) تحويله إلى أسبوع إجازة بأية طريقة، فتعقد المعاهدات بين الطلاب على الغياب ليتفاجأ المعلمون أن الحضور اثنين أو ثلاثة (أَصروا وأصر آباؤهم الجادون على حضورهم) مما يجعل المدرسة تعلن عدم التدريس ذلك اليوم وعلى الجميع العودة لمنازلهم بعد الحصة الثانية مثلاً.
بل إن الأدهى والأمر أنك تجد وليات الأمور من الأمهات في قروبات الواتس أب التي جمعتهن للتشاور حول الحالة التربوية لأطفالهن الطلبة الصغار يتعاهدن ويتواعدن على أن يغيِّبنَ أولادهن الأيام القادمة، ففي ذلك راحة لهن من إيقاظهم الصباحي ومترتباته المتعددة وبالتالي فإن المشاركة في مؤامرة الغياب القسري وسرقة أيام الدوام هو الحل المناسب. نعم سرقة عيني عينك في نهار رمضان، والمشكلة أنها سرقة يصاحبها درس تعليمي (غير مقصود) لهؤلاء الأطفال أن مخالفة قوانين وتنظيمات المؤسسة الرسمية هو أمر متاح حيث إن والديك يقومان به ويكون ذلك بالتنسيق مع بقية الأمهات أو الآباء، أي تربية يصنعها هذا الموقف وأي قيمة تزرعها هذه السرقة غير النزيهة؟ أيها الوالدان، مهما كانت وجهة نظر الوزارة أو قراراتها غير متلائمة مع ظروفكم أو حتى هي غير متسقة مع آراء الغالبية العظمى من الناس وأولياء الأمور فلا ينبغي أن يوظف ذلك لتحطيم منظومة القيم في أولادكم وبناتكم، أنتم حماة هذه القيم لأنكم أنتم من يزرعها في الأصل ويفترض أنه لا أحد غيركم سيتعهدها بالرعاية والاهتمام حتى تنمو وتكبر فكيف نراكم تجهزون عليها وتقطعونها بدل أن تنتظروا قطافها! يجب أن لا نقلل من شأن هذا التصرف فالطفل لايمسك بيدك ويقول لك يا أبي ويا أمي لقد لاحظت أنكم حطمتم القيم الفطرية الجميلة في داخلي وصنعتم مني خامة مخالفة للقوانين ومتمردة على الأنظمة، أتمنى أن يستيقظ الآباء من غفلتهم التربوية ويتمثلوا مسؤوليتها فما ذكرته آنفا هو مثال واحد ولكن الممارسات المماثلة كثيرة ومجالاتها متنوعة.