سهوب بغدادي
تتنوع مدارس وكتب التربية فمنها الحديث والآخر تقليدي، وتختلف وسائل وطرق التربية من مربٍّ إلى آخر، هناك من يبحث ويسأل عن الأفضل والأصلح لزمان الطفل والأنسب له كحالة فردية، وقد يتبع النهج الذي طُبق عليه من قبل والديه، قديمة كانت أم حديثة فلا بأس، إلا أن الأسوأ أن يتداخل أحدهما مع مدمرات التربية، وهما: «الإساءة والإهمال» فالإساءة معروفة منذ الأزل بأوجهها، الجسدية واللفظية والنفسية، كالضرب والتفنن في أساليبه والشتم والصراخ بهدف إدخال الفزع والهلع في نفس الطفل، وأخيرًا، الإساءة النفسية التي تتنوع ولا تحصر أشكالها وألوانها كالتلاعب النفسي وحيله ومراتبه وإدخال الشك والحيرة في نفس الطفل، وعدم الاعتراف بمشاعره وتمتد تلك القوائم في كل ما سبق -حمانا الله وإياكم- أما فيما يتعلق بالإهمال، فإنه يتخذ أشكالًا عديدة، مباشرة وغير مباشرة فالمباشر منها يتضح عندما تلقي الأم بمسؤولية الطفل أو الأطفال على عاتق شخص آخر كالجدة أو العمة أو الخالة والأكثر انتشارًا اليوم الخادمة، والأدهى من ذلك الإهمال الكلي بعدم توفير بديل وترك الطفل لفترات طويلة دون مأكل أو مشرب، على غرار قصة إحدى الأمهات في الغرب التي أثارت الضجة خلال الآونة الأخيرة، بسبب تركها طفلها الرضيع في المنزل وحيدًا وسفرها إلى دولة أخرى لقضاء عطلة! بالطبع فارق الطفل الحياة، كما أن هناك الشكل غير المباشر من الإهمال، بأن يتخذ ذرائعَ وأقنعة بدعوى التربية! كالوالدة التي تحمّل الأخت الكبرى مسؤولية أشقائها الأصغر، بدعوى تدريبها وتعويدها على تحمل المسؤولية مبكرًا، كمحاولة لتغليف الذريعة بشيء إيجابي وجيد، إن القليل من مساعدة الأخ أو الأخت في هذه الأمور جيد، شريطة الإشراف عليهم وتوجيههم والتواجد معهم حين تقديمهم وجهًا من أوجه الرعاية، أما الإلقاء بكامل المسؤولية أو أغلبها على الطفل الأكبر، فيعد وجهًا من أوجه الإهمال، وحرمان الطفل الكبير من مرحلته العمرية وسنه، فمهما كان الطفل كبيرًا في عينك فهو في نهاية المطاف طفل.
المثير في الموضوع، أن بعض المربين يتفاخرون بالتسلط الحاصل والتضييق على الأبناء والبنات، خاصةً الفتيات المراهقات، فهناك من يصرح بأنه يضيق على ابنته ويقعد لها بالمرصاد في حركاتها وسكناتها، بل إن البعض أشاروا إلى أنهم يقومون «بتطفيشها» من الصديقات ومحاولة ثنيها عن محبتهن حتى لا تطالبهم بالاجتماع بهن خارج المنزل، وقِس على ذلك من الأمور، وبالرجوع إلى الإهمال، فإن العديد من الأشخاص أكدوا بحسرة أنه تم تطبيق الأمر عليهم أو لايزال مستمرًا معهم، وتتعدد الأسباب والذرائع للمهمل ولا تخرج عن كونها إهمالًا، متغافلين عن ماهية التربية وكونها أمانة وأسمى المهمات والوظائف، وعظم أجرها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.