د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعد السعودية دولة صحراوية، وهناك علاقة بين الزراعة والأمن الغذائي، خصوصاً عندما تأثرت سلاسل الإمداد زمن جائحة كورونا وبسبب التوترات العالمية كالحرب في أوكرانيا، وتهديد أمن الممرات، وتود توظيف إمكانياتها، بما يضمن أقصى استفادة من مشاريع رؤية المملكة 2030، التي تضم 59 مبادرة، وضمان استدامة التنمية، ساهمت تلك الجهود في جعل السعودية تتصدر دول العالم في مؤشر المعايير الغذائية، والصعود إلى المرتبة 18 عالمياً في مؤشر معدل سلامة المحاصيل من بين 113 دولة في 2020، ورغم أن 80 في المائة من فقراء العالم يعيشون في المناطق الريفية ويعملون بالزراعة بصفة أساسية لكنهم يعانون من أزمة غذائية، لأن أنشطة النمو والحد من الفقر والأمن الغذائي التي تقودها الزراعة في تلك الدول تقليدية لا تستخدم التقنيات الحديثة التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتزايد الجوع. لذلك اتجهت السعودية نحو رفع نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي بنحو 6 في المائة تقريباً من الناتج غير النفطي في 2022، فيما يشكل نحو 2.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وذلك في ظل ما يشهده العالم من تأثيرات ناجمة عن أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار، ما جعلها تتجه نحو حلول التمويل المستدام للمساهمة في تحقيق الإستراتيجية الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي مع الحفاظ على الموارد الطبيعية، بل تتجه نحو التنمية الريفية المستدامة بالاستفادة من الميز النسبية.
ارتفع الناتج الزراعي في السعودية من 52 مليار ريال عام 2007 إلى أكثر من 100 مليار ريال عام 2022، ارتفاعاً من 72.25 مليار ريال عام 2021، فيما بلغت قيمة الصادرات نحو 17 مليار ريال عام 2022 مرتفعة من 13.5 مليار ريال عام 2016 مقابل واردات بنحو 111.6 مليار ريال، فيما بلغ إجمالي إنتاجها الزراعي نحو 27 مليار دولار تأتي بعد مصر بنحو 18 مليار دولار، ما يعني أن السعودية أزاحت الجزائر التي كانت تحتل المركز الثاني بقيمة 22 مليار دولار.
حققت نسب عالية من الاكتفاء الذاتي في العديد من المحاصيل الزراعية، بشكل خاص في إنتاج التمور والطماطم بجانب الحمضيات والبطيخ والعنب لا سيما التي تعتمد على التقنيات الحديثة، لاعتمادها على الإدارة المتكاملة للمياه والتي أسهمت في خفض الاستهلاك الزراعي من 86 في المائة من إجمالي استهلاك المياه إلى أقل من 70 في المائة، بسبب اعتمادها الري بالتنقيط المتقدمة في زراعة الفواكه والخضراوات. كما بدأت السعودية عبر شركتان سعوديتان متخصصتان في التقنية الزراعية بتطبيق الزراعة العمودية، وهو أسلوب يهدف لمواجهة حدة التصحر عبر إنشاء عدد من المزارع العمودية في مختلف أنحاء السعودية، إضافة إلى أن السعودية تمتلك أكبر أنظمة تخزين للقمح والدقيق بسعة تزيد عن 3.3 مليون طن متري، بل نجحت السعودية في خفض واردات الدولة من الشعير والتحول إلى الأعلاف المصنعة الأكثر قيمة غذائية بنسبة تجاوزت 50 في المائة، وذلك من عشرة ملايين طن في 2016 إلى 4.8 مليون طن في 2022 .
طورت السعودية 16 مرفأ صيد لتعزيز الأمن الغذائي ازداد حجم الإنتاج السمكي في عام 2023 ليصل إلى 214.6 ألف طن مرتفعاً من 119 ألفاً في 2022 أي بما نسبته 80 في المائة، وخصوصاً أن جودة الأسماك المستزرعة بالسعودية وفقاً لدراسة علمية تتفوق على المنتجات المستوردة من حيث القيمة الغذائية والسلامة الصحية بسبب جودة التداول وقصر سلسلة الإمداد حتى وصولها للمستهلك وصلت نسبة الاكتفاء الذاتي من الثروة السمكية 53 في المائة، وللسعودية بإمكانها إنتاج ما يصل إلى 600 - 700 ألف طن من الثروة السمكية سنوياً بسبب موقعها الإستراتيجي الذي يعطيها ميزة نسبية لتوفير العديد من الفرص الاستثمارية وخصوصاً أن السعودية ما زالت تستورد أكثر من 20 مليار دولار، ودول الخليج نحو 40 مليار، ودول شمال إفريقيا نحو 60 مليار دولار.
أي أن السعودية لا تنظر إلى الاكتفاء الذاتي الذي يخفض من الأسعار، بل تنظر إلى رفع القيمة السوقية للمنتجات، وتمكين المزارعين من تسويق منتجاتهم وتصديرها، وزيادة الفرص التسويقية في الأسواق المحلية والعالمية، بالإضافة إلى وجود علامة موثوقة تضمن جودة سلامة المنتج ومعرفة درجته وتصنيفه. ساهم الإنتاج الزراعي في تحقيق استقرار في أسعار المنتجات الغذائية لخفض معدلات التضخم الناتجة عن ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية خصوصاً للفئات منخفضة الدخل، حيث أدى زيادة المعروض إلى إيجاد تنافس بين المتاجر مما أدى إلى خفض الأسعار، وهي في نفس الوقت مدخلات لأكثر من ألف مصنع يعمل في مجالات الأغذية والمشروبات وهو ما يعادل 14 في المائة من إجمالي عدد المصانع.
تبنى صندوق التنمية الزراعي سياسات إقراض تعتمد على التقنيات الحديثة، بإقراض يتجاوز 70 في المائة من التكاليف الرأسمالية للمشاريع الزراعية وسيكون دعم المزارعين بنحو 1000 % في تمويل الاستثمارات خلال 5 سنوات، فقفزت الاستثمارات من 500 مليون ريال عام 2015 إلى 7 مليارات ريال في 2022، ويفترض أن ينمو القطاع سنوياً نحو 4.5 في المائة بين الفترة 2022-2027 بعد أن حقق القطاع نمو 7.8 في المائة عام 2021 . حقق صندوق التنمية الزراعية في نهاية 2023 نسبة إنجاز لجميع المبادرات التي أطلقتها في 2021 بنسبة بلغت 79 في المائة، وحقق الصندوق في مبادرة دعم الإنتاج المحلي الزراعي 81 في المائة، ونحو 70 في المائة من مبادرة التنمية الريفية المستدامة، إلى جانب بلوغ نسبة تحقيق مبادرة دعم التوسع عبر سلاسل الإمداد 66 في المائة، وتحقيق نحو 94 في المائة في استخدام التقنيات الحديثة وبالأخص تقنيات الري للمساهمة في الحفاظ على الموارد الطبيعية.