أحمد المغلوث
جاء العيد وجاءت معه الفرحة فيوم أمس كان يوماً غير عادي في بيتهم، فلقد تم الانتهاء من تركيب عداد الكهرباء وإيصال التيار اليوم ترتاح والدته وشقيقته وخادمتهما الصغيرة من التعب اليومي ووقتهن المهدور في تنظيف الأتاريك والفوانيس, فالكهرباء في بيتهم اليوم بات مثل بيت خاله وبقية البيوت.
- عائلته الكبيرة كان من الواضح أن الكهرباء سوف تدخل المدينة والتي كانت قد استعدت لذلك تماماً.. بدأ أهلها وعلى الأخص الأغنياء والميسورين والأعيان.
- وأصحاب الدخول المحدودة كالموظفين في الاتفاق مع محلات الكهرباء التي كان بعض أصحابها من العاملين في شركة الزيت ولديهم معرفة مسبقة بالكهرباء وطريقة تركيب وتمديد الخطوط.. الكثير منهم استفاد كثيراً من القيام بهذه المهمة.. بينما أسرع آخرون بشراء أجهزة التلفزيون واستبدال أجهزة الراديو التي كانت تعمل بالبطاريات الجافة.. بأخرى تعمل بالكهرباء فالحدث غير عادي.. بدا سباق محموم بين بيوت المدينة المختلفة من يستطيع أن يكون أكثر استعداداً لكي يستقبل النور بالأحضان.. النور الذي سوف يغير الكثير من المظاهر والعادات الاجتماعية ويحدث نهضة كبرى في مختلف المجالات.. لقد حلم أهل مدينته مثل أي مدينة وقرية لا في بلاده فحسب وإنما في العالم بقدوم النور.. والذي لاشك أنه يعني الكثير.. الحر لا يطاق في الصيف لعدم وجود المراوح وأجهزة التكييف.. لقد حلموا جميعهم بهذا القادم الجديد والمبارك حاملاً البياض الدائم بنشر النور في المعنى والمسمى.. وسعوا جهدهم لتحقيق هذا الحلم وذلك من خلال مشاركة مجموعة كبيرة من رجال الأعمال في المدينة في تأسيس شركة الكهرباء.. وهاهو الحلم يتحقق أخيراً.. ومع ذلك يصعب على البعض منهم تصديقه.. إن أياً منهم لم يَرَ كهرباء من قبل ولا يقدر على تخيّل شكلها أو العيش تحت نورها وشمسها المشرقة حال الضغط على المفتاح..!! ولكنهم كانوا على ثقة بأنها ستحقق لهم مستقبلاً أفضل وحياة مستقرة ومتطورة.. لقد بدأ ت المدينة تشهد عصراً جديداً. هو عصر النور.. لم يكن البعض من سكان المدينة يدري كيف سوف يستفيد من دخول الكهرباء في منازلهم لأن الكهرباء ليست فقط نوراً وإضاءة وإنما حياة جديدة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فمن خلالها تستطيع تشغيل العديد من الأجهزة والمعدات التي سوف تفيد في العمل أي عمل حتى لو كان بسيطاً كمكينة الحلاقة.. فالحلاق (المحسن) الشهير بالمدينة كان من أوائل من استبدل ماكينة الحلاقة اليدوية بأخرى كهربائية، بل حتى التعليم بعدما كان محصوراً في الدراسة الصباحية بدأت ومع انطلاقة الكهرباء في شرايين المدينة فكرة التعليم المسائي.. مئات المجالات والأنشطة التي بدأت تتحول من العمل اليدوي أو البطاريات الجافة أو الكيروسين استبدلت وبصورة سريعة وفاعلة بأجهزة ومعدات تعمل بالطاقة الجديدة.. كانت بعض بيوت الأغنياء والميسورين تتوفر فيها بعض الأجهزة التي تعمل بالكيروسين وكانت والحق يقال تساهم في توفير اكثير من احتياجاتهم عيناه تدوران في البيت.. إحساس كبير أن هناك شيئاً ما تغير في بيتهم.. لا ليس بيتهم إنما في مختلف البيوت.. حتى الشارع العام (شارع السوق) والذي يقع عليه بيتهم مباشرة بات مضيئاً فكل بيت وضع (لمبة) على بابه لتشكل هذه اللمبات مجتمعة إضاءة لا بأس بها في شارع كان فيما مضى يعتبر من الشوارع المظلمة إلا في منطقة السوق حيث كانت تضاء فوانيس خاصة.. الآن باستطاعة أبناء الحارة التواجد أطول وقت ممكن خارج بيوتهم.. يلهون ويلعبون دون خوف من الظلام.. واليوم سوف يبدأ حياة جديدة سوف يطالع مجلاته خاصة سندباد ويقرأ مجلدات سيف بن ذي يزن وألف ليلة وليلة وسوف يرسم تحت أضواء الكهرباء.