عبدالله إبراهيم الكعيد
تحتاج العملية الاتصاليّة بين البشر ذكاءً ومهارة. ليس كل خطاب مؤثراً ولا انتقاء المفردات الرنانة في المواعظ مقنعة في معظم الأحوال، حتى لو استخدم قائلها حبكة سردية جذابة لأن للمتلقي عقلاً ناقداً يمكنه نسف الحكاية برمتها إذا كان غير مقتنع بمحتواها وما اشتملت عليه من أحداث.
هل معنى هذا نفي أهمية الخطب والمواعظ برمتها؟
قطعاً لا، فكثير من الرسائل الاتصالية (الكلامية) أثرت بالمتلقي سيّما إذا كان المتحدث سواء كان من أهل السياسة أو الوعظ الديني أو ما يُسمى في وقتنا الحالي (life coach) يمتلك سحر الشخصية (كاريزما) فيسحر ببيانه السامع وبالتالي يستجيب لمحتوى خطابه.
من أمثلة هؤلاء الزعيم الألماني أدولف هتلر والمناضل الأمريكي من أصول إفريقية مارتن لوثر كينج جي آر، والرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو، وحالياً الممثل ومقدم البرامج الأمريكي ستيف هارفي، أما عربياً فأشهر من يمتلك كاريزما التأثير والإقناع الراحل الملك فيصل رحمه الله.
حسناً.. هل هناك وسيلة للتأثير غير خطاب أصحاب الكاريزما وسحر البيان؟
في بعض المواقف نعم. يتم استخدام تكنيك تليين القلوب ودغدغة المشاعر. أبلغ مثال لهذا الأسلوب حكاية صغيرة وردت في جوف رواية (الشيطان والآنسة بريم) للبرازيلي باولو كويلو مؤلف الرواية الشهيرة (الخيميائي).
الحكاية باختصار تدور حول ناسك يحيا في أحد الكهوف قرب قرية يسكنها قطّاع طرق يلوذون بها بين جريمة وأُخرى وكان هناك مجرمٌ يسيطر على القرية وضواحيها ويجبي ضرائب باهظة على المزارعين. ذات يوم نزل الناسك من كهفة ووصل إلى منزل المجرم وطلب أن يبيت ليلة عنده، انفجر المجرم ضاحكاً:
- ألا ترى أنني قاتل، وأنه سبق لي أن ذبحت العديد من الناس وأن حياتك ليس لها أي قيمة عندي؟
- أعرف ذلك، ولكنني سئمت الحياة في ذلك الكهف وأود أن أقضي ليلة واحدة هنا على الأقل.
كان المجرم يسمع عن صيت الناسك الذي لا يقلّ شأناً عن صيته، وهو الأمر الذي أزعجه جدّاً. لذلك قرر أن يقتله لكي يظهر للجميع أنه سيّد المنطقة المطلق والوحيد. تبادلا بعض العبارات ولم يترك المجرم نفسه تتأثر بكلمات الناسك فدلّه إلى حيث ينام ثم راح يشحذ خنجره والناسك يراقبه حتى أغلق عينيه ونام. المفاجأة أن الناسك حينما استيقظ وجد المجرم يبكي بكاءً مُرّاً. حين سأله أجاب:
- لم تشعر بالخوف منّي، ولم تُبدِ رأياً فيّ. إنها المرّة الأولى التي يقضي فيها شخص ليلته عندي مُطمئناً مما يعني أنه بإمكاني أن أكون رجلاً صالحاً. ولأنك حسبت أني أستطيع التحلّي ببعض الاستقامة فقد تصرّفت معي على هذا الأساس.
هنا يتضح استخدام الناسك تكنيك تليين القلوب ونجح في التأثير على مجرم قاتل ليعود الى رشده ويصبح رجلاً صالحاً. كل عام وأنتم بخير وسلام.