علاء الدماصي
استشعرت ككاتب وباحث لديه فضول لاكتشاف أغوار النفس البشرية، وأشتهي حل طلاسم التناقضات السيكولوجية داخل بعض المنتسبين لفصيلة البني آدمين، حينما أدركت أن ما يحدث من تشوهات اجتماعية لا يتفق مع المعايير الإنسانية والآدمية التي فطرنا الله عليها والتي نادى الإسلام قولاً وفعلاً بها وحثت عليها جميع الشرائع السماوية.
إن الشر أزيزه يسري في دماء النفس التي غلبتها أهواؤها، ووهنت ضمائرها، وأسوأ أنواع الشر المجتمعي المبطن هو الميل إلى مناصرة كاذب أو خائن باطل لوجود مصلحة أو وجود هوى نفسي نحو هذا الفرد الفاسد في المجتمع - يقول الله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} الأنفال: 22.
إنَّ شر ما دبَّ على الأرض - مِنْ خَلْق الله - عند الله الصمُّ الذين انسدَّت آذانهم عن سماع الحق فلا يسمعون، البكم الذين خرست ألسنتهم عن النطق به فلا ينطقون، هؤلاء هم الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه.
وفقاً للرأي الديني، فإن الشر هو نتاج إساءة استخدام المخلوقات الحيَّة للإرادة الحرَّة التي منحها إيَّاها الله، لأنَّ الإرادة الحرة موجودة بالقدر الذي يبرر المسؤولية عن الأعمال، وليست بمعنى الإرادة الحرة المطلقة التي تتعارض مع وجود العلم والقدرة الإلهية، ويزداد الشر عمقًا في المجتمع حيث تنتشر الفردانية والأنانية والرغبة في تحصيل اللذائذ في الحياة الحالية فقط، فالمعاناة ضروريَّة لتطوُّر الناس الروحاني.
أعود إلى لب الموضوع وهو زراعة الشر: فربما تعتقد عزيزي القارئ أنه أصابني إعياء فكري، أو أنثر هذه الكلمات همهمات صائم، ولكن الواقع مليء بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر يتسم بالسمات البشرية الأصيلة التي فطرنا الله عليها.
فاسمحولى لي أروي لكم قصة حدثت في مجتمع ربما ينسجها الخيال، إنسان نما وترعرع على أن يباح له كل شيء، ويجد كل شيء ويطلب كل شيء ويصدق في كل شيء ولا يلام في شيء، ويدلل في كل شيء، وييسر له كل صعب، فيربى على الأنانية ويتشرب حقدا ويتغذى على الطمع يشعر أن العالم يدور في فلكه فيزداد طعنا وأنانية وحقداً وتندثر ذكوريته شيئاً فشيئاً، وأصبح لديه شر مبطن يصرح لها بكل وسيلة دنيئة في سبيل تحقيق غاية أشد دناءة وطفولية وذاتية.
وهنا غابت ثلاثة قوانين عن هذا المجتمع فانهار وسقط وأصبح أفراده يشربون من دماء بعض... القانون الأول: الصدق وصناع الرجال..
فالأسرة التي تربي شخصا أنانيا مباح له كل شيء، هي ذاتها التي تقتل فيه كل كروسومات الرجولة، فيصعب عليه أن يشعر بأنه رجل أو يتعامل برجولة المواقف والأفعال، بجانب أن الإباحة لشخص تعني أنها هناك انتهاك لحقوق شخص آخر أو أشخاص آخرين من أجله، وغياب الصدق يعني غياب الثقة، ومن ثم خلل في الترابط الاجتماعي.
القانون الثاني: الاحترام ووجود القدوة
حينما تغيب القدوة...يسقط المجتمع، وحينما يتفشى الكذب تموت الضمائر، ويهجر الدين الناس حتى لو تورمت أقدامهم من السجود، كونوا آباء قدوة، ومعلمين قدوة وعلماء دين قدوة، بالفعل قبل القول، فأنتم ركائز المجتمع فإن انهارت ضمائركم ووهنت قيمكم سقط المجتمع، وعقمت نساؤه على إنجاب غير الساقطين، أما الاحترام فهو يقوي الروابط الأسرية، وغيابه يزلزل كيان الأسرة.
القانون الثالث: العطاء والإخلاص
العطاء يقوي الروابط الاجتماعية ويحارب الأنا المليئة بالرغبات الذاتية، والإخلاص يعمق العلاقات، ويجعل الحب شريعة ومنهاجا بين المجتمع الذي يغلب الإخلاص طباعه.
أعتقد هناك وعي كاف لتطبيق تلك القوانين الاجتماعية التي بدورها ستكون دواء لكل داء اجتماعي يغذي فروع الشر الأسري، ويتصدى لأي نفس جاهلة أو مريضة تحاول زراعة الشر، ربما يأتي اليوم الذي يصبح فيه «دين المعاملة « هو منبر تعاملاتنا - ويتوقف «بني قبيل « اللاإنسانيون عن شرب دماء أرحامكم.
ثمرات الفكر:
لماذا يأكل بعض الناس في لحومهم؟
لأنهم جوعى لمعنى جميل اسمه «الحب»
فالحب شجرة ثمارها العطاء، وجذورها الرحمة - وفروعها الخير والتسامح والانتماء إلى من تحب، وللأفكار ثمرات ما دام في العقل كلمات وفي القلب نبضات... مادام في العمر لحظات.