عبدالوهاب الفايز
حملة (جود الإسكان) هذا العام كانت بروح جديدة، إنها روح توسيع المشاركة وحفز الجهود الشعبية على العطاء المتميز. لقد تميزت بإشراك مناطق المملكة في جهود جمع التبرع والدعوة لها والحث عليها، وكان لأمراء المناطق الدور الإيجابي الذي تعودناه منهم، فقد قادوا الجهود لإنجاح هذه الحملة حتى تجاوز الرقم الـ 800 مليون ريال.
والنجاح الإيجابي الأبرز لمجتمعنا نجده في الإقبال الكبير من المواطنين الذين بادروا بالتبرع، رغم المنافسة الإيجابية الواسعة على استقطاب التبرعات والصدقات والزكوات في رمضان.
والحق أقول لكم ليس المهم أن ننجح في حجم التبرع، بل المهم هو نوعيه التبرع، ونبل المبادرة من الناس للمساهمة في تأمين السكن للمحتاجين. ولا يهم مقدار المبلغ، ما يهم هو: الإحساس باستشعار الإحسان والعطاء.
وخيراً فعل القائمون على الحملة عندما واسعوا هدفها الأساسي. المؤسسة الأهلية للإسكان قامت لأجل أن تكون «مشروعاً وطنياً يهدف إلى إشراك المجتمع (أفراداً - منظمات) لتقديم يد العون للدعم السكني من خلال منصة إلكترونية تحقق الشفافية والدقة والاحترافية في تقديم الدعم.» أيضاً من أهدافها «سداد إيجار المسكن للأسر المحتاجة من الضمانيين (المدرجين بالضمان الاجتماعي) وذوي الدخل المحدود، ودعم توفير وحدات سكنية للأسر الأشد حاجة وتمليكها لهم.» قيام المؤسسة الخيرية لدعم الإسكان مشروع وطني جاء متأخراً.. كنا نتمنى قيامه قبل سنوات، ولكن - كما يقال - أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي!
الإسكان قضية (وجودية) ترتبط بالأمور الأساسية للإنسان، وهذا كان في وعي وإدراك قادة بلادنا منذ استقرار الأمن، فقد وُضع الإسكان والتوطين في أولويات الدولة، وجاءت النقلة الكبيرة للإسكان مع إطلاق صندوق التنمية العقارية ضمن منظومة صناديق الإقراض المتخصصة. كان هدفها التمكين الاقتصادي والاجتماعي، وتوسيع قاعدة توزيع الثروة الوطنية بشكل منظم ومستدام.
وكان الإسكان في ذروة أولويات الحكومة. ومشروع الإقراض السكني الذي انطلق منتصف السبعينيات الميلادية أوجد ملايين الوحدات السكنية للمواطنين.. والأهم أن أثره المتعدي كان كبيراً في الاقتصاد الوطني، فطفرة الإقراض العقاري أوجدت الآلاف المؤسسات والشركات، وأنشأت بيوتاً تجارية جديدة في مجلات عديدة.
هذا الاهتمام يتوسع الآن عبر مبادرات ومنتجات جديدة. المنتج الأبرز هو تفعيل الجهود المحلية والفردية وحفز مبادرات القطاع الخيري والوقفي، وتشجيع قيام الكيانات الاعتبارية الخيرية المتخصصة للمساهمة في توفير الدعم واقتراح الحلول.
القطاع الثالث يتميز بسرعة المبادرة والجرأة في تقديم الأفكار. و(الجرأة الاستثمارية الخيرية) في قطاع الإسكان ننتظرها من الهيئة العامة للأوقاف، فالهيئة بادرت العام الماضي بإطلاق الحملة الخيرية «اكتتاب جود الإسكان الخيري» في منصة جود تحت شعار «سهمك أخضر مدى الحياة». وننتظر من الأوقاف تفعيل المبادرة حتى نستثمر الأموال الكبيرة الموقفة لأعمال الخير في بلادنا، والتي تقدر أُصولها بأكثر من ألف مليار ريال. لعل الهيئة تنتقل لحقبة المبادرات النوعية.
التطور الايجابي لمنصة جود للإسكان هو الذي يُشجعنا هنا لدعوة إخواننا القائمين عليها لـ (إنشاء فريق عمل) مع إمارات المناطق حتى يتولى توجيه ثمانين بالمئة من الأموال المُتبرع بها من كل منطقه إلى مشاريع نوعية في الإسكان داخل المنطقة، بالذات خدمة الاحتياجات السكنية الحرجة. هناك مبادرة في الإسكان تبناه عدد من إمارات المناطق وحققت مستهدفات سريعة، وهي: مبادرة اعادة تأهيل وترميم المساكن القائمة في القرى والمحافظات. هذه المبادرة نحتاج التوسع فيها، فهي تلبي احتياجات قائمة، وتتم بأقل التكاليف، وتفتح المجال للمساهمة بالقليل من المال والجهد.
وهذا يلتقي مع أهداف مؤسسة الإسكان الخيري، فمن أهدافها «ابتكار الحلول السكنية الملائمة، وبناء نماذج العمل للمنتجات السكنية. أيضا من اهدافها «تفعيل مجموعة متنوعة من الحلول السكنية والتمويلية المبتكرة لتلبية احتياجات القطاع غير الربحي الإسكاني عبر مجموعة من الشراكات الفاعلة وتقديم الفرص المناسبة للفئات المستهدفة.»
وإشراك إمارات المناطق في توجيه التبرعات له أثره الإيجابي على دورها التنموي ويعزز صورتها الذهنية الإيجابية كراعية للأمن والاستقرار وحفظ كرامات الناس. من مصلحتنا الوطنية العليا توسيع دور إمارات المناطق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ووجود الموارد المالية يساعدها في مباشرة الاحتياجات التي تطلب التدخلات العاجلة. كما أن توجيه الحصة الكبرى من التبرعات في كل منطقه لاحتياجاتها سوف يشجع ويوسع الإقبال على التبرع في السنوات القادمة. كما أن توجيه جزء من التبرعات لاحتياجات مناطق أخرى يعزز روح الإجماع الوطني، فالمملكة كيان واحد، وسحابة الخير أينما تمطر فخيرها سوف يصلنا جميعا.
هذا مجرد اقتراح ولعل فيه ما يفيد.
الذي يشجعنا على طرح الأفكار والمقترحات هو نجاح الحملة. لقد حققت المستهدف نتيجة لاهتمام ومشاركة القيادة، وأيضاً نتيجة لحرص ومتابعة سمو وزير الداخلية، ومشاركة أمراء المناطق، وتفاعل الوزراء، والمانحين، والمتبرعين، والمتطوعين.. أيضاً نجاحها يُعزى للاحترافية والمهنية في إدارة الحملة.
وأبرز مؤشرات نجاح الحملة نجده في تفعيل المشاركة الشعبية في العمل الخيري في مجتمعنا.
الواجب أن نحتفي وندعم أية توجه في هذا المسار. التحفيز على التبرعات القليلة المستدامة من جميع الناس يحقق ايجابيات عديدة للعمل الخيري. فالقليل الدائم يحقق الاستدامة المالية. وهذا ما تحتاجه برامج الإسكان الخيري. تحتاج تيسير السبل ليكون المواطن جزءا من الحل لتحديات الإسكان.
التمويل الشعبي المستدام يحقق التأثيرات الإيجابية مثل: تمكين المجتمعات المحلية من الحصول على المساهمة والدعم المالي لمشاريعها ومبادراتها، وهذا يعزز شعور الأفراد بالتمكين والاعتماد على الذات. أيضا يدعم المبادرات المحلية السريعة مثل ترميم المساكن.
كذلك يقوم بتوجيه الموارد مباشرة إلى القضايا المحلية، ومعالجة الاحتياجات الخاصة بالمجتمع والتي قد لا تصل للمؤسسات السيادية.
أيضا، وكما ذكرنا، توفر الموارد المالية الخيرية يشجع على الابتكار، وعلى تبني مشاريع ربما لا تتناسب مع معايير التمويل التقليدية لكون التمويل الشعبي أكثر مرونة مما يسمح بالاستجابات السريعة للاحتياجات الناشئة أو الظروف المتغيرة داخل المجتمعات المحلية.
ولا ننسى أيضاً أن التمويل الشعبي يُتيح للفئات الاجتماعية، المشغولة باحتياجاتها الأساسية، الوصول إلى الموارد المالية مما يحقق الشمول المالي.
إن روح العطاء الشعبي مكنت منصة جود الإسكان من تجاوز المستهدف والوصول إلى تمويل 4500 وحدة سكنية. هذا نجاح لمجتمعنا.