د. محمد بن أحمد غروي
تكثر الأعياد في منطقة جنوب شرق آسيا والاحتفالات، وهي تعكس الثراء الثقافي لهذه الدول، كونها مرتكزاً لتعزيز الشعور بالهوية. بالنسبة لأعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا، تُستخدم المهرجانات للترويج لمفهوم يُعرف باسم «طريق آسيان» والتي من شأنها احترام سيادة كل دولة أخرى، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، والتسوية السلمية للنزاعات، وإذ تؤكد بحوث آسيوية عن دور الأعياد في تحقيق الانسجام والتفاهم المشترك بين أعضاء الرابطة، فهي فرصة لاكتشاف الثقافات التقليدية الزاخرة في الأرخبيل لتصبح التعددية في نهاية المطاف متأصلة في وعي مواطني رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN). المراقب لشؤون آسيان يرى كثرة استضافة الرابطة للفعاليات الفنية والثقافية منذ أكثر من نصف قرن إذ أثبتت نجاعتها في خلق شعور مشترك بالهوية يتمحور حول السلام والتعاون، وفي اعتقادي أنه من الضرورة عدم تقليل الدور الذي تلعبه تلك المناسبات والمهرجانات في الحد من التوترات وبناء الثقة ومد جسور التواصل الثقافي، والذي يسهم بدوره في زيادة رفاهية وازدهار مواطني جنوب شرق آسيا.
ومن الممكن توجيه أشكال التعبير الثقافي المتنوعة لدى مجتمعاتنا لإنشاء صناعات ثقافية وإبداعية. إذ يشهد الاقتصاد الثقافي ارتفاعاً ملحوظاً. فنحن بحاجة إلى الاستثمار في الثقافة ليس فقط لتحسين الرفاهية الاقتصادية للناس، بل لخلق مجتمع أكثر تسامحاً وتنوعاً. عيد الفطر في آسيان فرصة كبيرة للتعريف بثقافة المسلمين هنا، فكثرة الأعياد في جنوب شرق آسيا بمختلف الديانات، تبين مدى والتعايش والاحتفاء بها, إن التنوع الثقافي أثرى المنطقة وجعلها أكثر أنسجاماً وتمازجاً بين الأعراق والأديان المنتشرة في هذه الدول كما أن هناك حرصاً من لدن دول آسيان على إحياء قيم الأسرة والعائلة والارتباط بقيم وعادات الماضي، دون أن تطغى القيم الحداثية على احتفالاتهم لها تاريخ متجذر.
يحتفل بعيد الفطر في الأرخبيل الصغير، خاصة الدول ذات الغالبية المسلمة، إندونيسيا وماليزيا وبروناي، فلعيد الفطر مكانة خاصة في نفوسهم فهي فترة العودة إلى القرية للقاء الأهل والأقارب فهناك تقارب في ثقافة الاحتفال بالعيد في دول آسيان المسلمة مع فوارق اجتماعية في بروناي. ومع نهاية شهر رمضان، يحتفل سكان بروناي بعيد الفطر أو «هاري رايا» من خلال دعوة الأقارب والمعارف لمشاركة الطعام. كما تفتح العائلة المالكة في بروناي القصر الملكي أمام الشعب لمدة ثلاثة أيام من الاحتفالات. وفي هذا الوقت يقدم السلطان الطعام لجميع الزوار ويصافحهم واحداً تلو الآخر. خلال فترة الاحتفال، يزور القصر أكثر من ربع سكان بروناي للقاء سلطانهم . في إندونيسيا، أكبر تجمع إسلامي في العالم، تعد مناسبة عيد الفطر «المعروف في الإندونيسية بليباران- lebaran» أهم مناسبة على مدار العام فتتصل عطلتها إلى أسبوع في بعض الأحوال. ويرجع الاستعداد للاحتفال بقدوم العيد إلى فترة تسبقه إذ ينتهز كثير من الإندونيسيين القاطنين في المدن الكبرى من أجل الدراسة أو العمل فرصة العيد في العودة إلى مدنهم أو القرى الأصلية لهم في عادة تعرف باسم «موديك» ويتطلعون لقضاء عيد الفطر مع أهلهم. وفي ماليزيا يرتبط الاحتفال بعيد الفطر بإقامة فعاليات «البيت المفتوح» وهو تجمع يُدعى فيه الأصدقاء والعائلة للانضمام إلى الاحتفال بالعيد وتقدم فيه العائلات أشهى الأطعمة الماليزية ويتمكن كل الحضور من الاستمتاع بها وتبقى «دوت رايا» العيدية حاضرة في أذهان أطفال الملايو مع شروق شمس عيد الفطر الذي يستعد فيه المسلمون للصلاة ومن ثم زيارة قبور أحبابهم وذويهم للدعاء لهم والتحضير لوجبات المنزل التقليدية وطلب المسامحة من بعضهم البعض ويجتمع أهل الدار بلون لباس تقليدي متوحد «باجو ملايو» و»باجو كرونغ» في دلالة على الترابط الأسري أيضاً يفتح المسلمون أبوابهم حتى بات سياسية «الباب المفتوح» سنة ماليزية للساسة والوزراء طوال شهر شوال تجاوز عدد زوار بيت رئيس الوزراء السابق أكثر من 70 ألف زائز فما أجمل العيد في دول آسيان وما أجمل الرسائل الثقافية التي يوصلها أهل جاوة إلى جيرانهم.