د. هيثم الصديان
الحِمْل هو ما كان خارجيّاً على الظهر. والحَمْل ما كان داخليّاً في البطن والجوف.
والمرأة تستطيع أن تحمل على ظهرها عشرة أضعاف ما يمكن أن تحمله في بطنها. وهو أسهل عليها؛ فما على الظهر يمكن أن ترميه متى شاءت، ورميه عن ظهرها أيسر ألف مرّة من رمي ما في بطنها. وما علا ظهرها يأكل من ظهرها فقط، أمّا ما في بطنها فهو يمتصّ أحشاءها، وسيظلّ جزءاً منها حتّى بعد أن ترميه. ألا أنّه سيكون مصدر سعادتها، رغم أنّه ينهك شبابها وصحّتها، جنيناً ووليداً. ما يعني أنّ سعادتها تكمن فيمَن ينهكها.
لكنّ هذا الحَمْل يمكن - وليس دائماً- أن يسعى، فيما بعد، إلى تعويضها عن بعض إنهاكها؛ ولن يستطيع.
وهذا السعيُ الأخيرُ هو الاختلافُ الوحيد بين حَمْل المرأة وحَمْل الدّولة.
الدّولة مهما تكالبت عليها أحمالُها الخارجيّةُ، فستستطيع أن ترميَها عن ظهرها لا محالة، وسيظلّ جوفها وأحشاؤها سليمين رغم ثقل حِمْل الظهر.
لكنّ داءَها القاتلَ في حَمْلها الذي يسكن أحشاءها؛ ذاك الذي تكوّنَ من جسدها، وشرب من دمها، ونهبها هواءها، وقُوْتَ أعضائها. هذا الحَمل مهما كان صغيراً، فإنّ بقاءه أطولُ، ونهبه أكبر، ورميه أعسر؛ فهو جزء لا يمكن إزالته من دون آلام الطَّلْق التي هي موت آخر.
على أنّ جنينَ الأُمِّ يسعى لأن يعوّضَ أُمّه ولن يفلح. أما جنين الدولة فسيظلّ يأكل أمّته جنيناً ووليداً. وهذا مصير الدول التي تحمل داخلها دولة؛ فهي دولة داخل الدّولة، حتى تجعلها لا دولة.