د.شامان حامد
ما يلفت الانتباه منذ السابع من أكتوبر الماضي، وحرب طوفان الأقصى التي كشفت عن الدور المركزي والحيوي للفضاء السيبراني ودوره في تشكيل نتائج هذا الصراع كمفهوم جديد من أشكال القوة، هو ما بات يُعرَف بـ (القوة السيبرانية) التي تعتمد أولاً وأخيراً على الإبداع والابتكار والاختراع وامتلاك المعرفة التكنولوجية ومدى استخدامها، وهو ما فعله الحجر الصامد باليد الفلسطينية وقلب أهل غزة الذي يجري بموازاة دوي الدبابات والمدافع والطائرات والجيوش (المُتجحشة) على أهل العزة والإباء.
لقد صار الفضاء السيبراني مفاعلاً نووياً موقوتاً ومحركًا ووسيطًا لحركة التفاعلات الدولية بكافة أنماطها التعاونية والصراعية، لأن البيانات المُتدفقة بالفضاء السيبراني تنتقل بنسبة 99% عبر الكابلات (الطبقة المادية)، و1% عبر الأقمار الصناعية، وبالتالي أصبحت من أُسس البنى التحتية المعلوماتية العسكرية والمصرفية والحكومية والتجارة الإلكترونية، وفي الاتصالات والملاحة والبثّ الإعلامي الرقمي الذي وصل لحوالي 700 مليار دولار في عام 2024.
ولنتخيل ضخامة وتعقيد مشهد «الحالة الرقمية» العالمية اليوم، وتدخلاته في كافة المجالات والمرافق الحيوية في الحياة البشرية، وباتت لديه قدرة على التداخل في البيئات التشغيلية، مثل المجال: البري والبحري والجوي والفضاء الخارجي، وكأن البيانات الضخمة أثمن شيء. فعالم البيانات وصل حجم مبيعاته عام 2023 حوالي 900 مليار دولار، ليرتفع وفق التوقعات إلى نحو 1.6 تريليون دولار بحلول عام 2025، وبهذا المعنى لم يعد اليوم تحليل القوة في العلاقات الدولية مكتملًا دون مراعاة الفضاء السيبراني في عالم يتجاوز عدد سكانه 8 مليارات نسمة، 5.3 مليارات منهم يستخدمون هذا الفضاء بنسبة تتجاوز 67%.
لقد أتاح الفضاء السيبراني - من خلال تطبيقاته المختلفة تحويل الثروات إلى نفوذ وسلطة وقوة، وظفتها «طوفان الأقصى» السيبراني.. لتتحول من أروقة العلانية الدولية المتخاذلة إلى معركة صامتة بين إسرائيل والفلسطينيين والعالم المتفرج للآن.