انظر من حولك كم شخصاً تعرفه تعرض للتنمر؟ إخوتك وأقاربك وأصدقاؤك، إنه عدد كبير ومؤلم أليس كذلك؟ يبدو أن التنمر أصبح فعلاً فيروس العصر الذي يستشري ويتغلغل في عالمنا.
لن أتحدث اليوم عن ماهو التنمر وماهي أسبابه وكيفية علاج هذه الظاهرة السلبية التي أرهقت المجتمع وأصابت الأطفال والمراهقين بالأمراض النفسية بالاكتئاب والوحدة والعدوانية التي تزيد الطين بلة.. فهذه الأسطوانة يرددها علماء النفس عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويستطيع الأخصائي النفسي بأن يخبرك عن العوامل التي أدت إلى انتشار التنمر وكيفية معالجة هذا السلوك العدواني.
ولكنني اليوم سأتحدث عن معاناة المتنمر عليه وآلامه النفسية التي تؤثر مباشرة على علاقته وحياته الاجتماعية والعائلية التي تعرفت عليها عن قرب من خلال تحدثي مع عدد ممن شاركوني قصصهم ومعاناتهم الحقيقية مع التنمر.
الواقع يقول، إن الكثير ممن تعرضوا إلى العنف والتسلط والقسوة مروا في آلامٍ نفسية مروعة فوجدوا في العزلة الاجتماعية ملاذًا آمنًا ومسكنًا لآلامهم ومعاناتهم العميقة ممن أطلق عليه ألفاظًا نابية أو من تم ضربه ضربًا مبرحًا على الأرض أو من تم حبسه في الصف أو من تم تهديده بالقتل أو بخلق فضيحة له.. فغاصوا ودخلوا في دوامة من الأفكار الظلامية والاكتئاب الحاد فلم يكن لديهم خيار سوى الفرار من الكابوس الذي يعيشونه في حياتهم اليومية. ومنهم من حاول الانتحار أو جرح نفسه أكثر من مرة بسبب الشعور بالعار وبالمذلة مما تعرضوا له.
تلك المعاناة المفخخة التي تعمل كمشنقة حبل تخنقك بقوة وأنت تقاومها بكل مما أتيت من قوة فيداهمك شعور بالإعياء وبالتعب، بعدها تشعر كأنك منهك ولا ترغب في المقاومة. شعور الحقد والكراهية يرافقك في النهار والليل والرغبة الملحة في الانتقام من كل ممن تسببوا في أذيتك. هذه المشاعر تتولد معك في كل مرة أنت تعيش تجربة المرارة والألم اللذين ذُقتهما في حياتك، لعل هذا الإحساس أفقدك الشعور بطعم الحياة الحقيقي وجعلك تنسى الفرح والأيام السعيدة التي عشتها في فترة ما من دفتر عمرك.
أحيانًا يلجأ ممن تعرضوا إلى التنمر إلى الأكل بشراهة من الحلويات والسكريات التي ما تكون أشبه بصراع داخلي بكل ما تحمله من معنى، فهو بالنسبة لهم المسكن اللذيذ الذي يشعرون به من عدم رضا وضعف الثقة بالنفس. كثرة تناول المأكولات الغنية بالدسم والسعرات الحرارية العالية تكون سبب في انطوائه كثيرًا على نفسه.
فبحسب دراسة نفسية حديثة تلخص بأن مما تعرضوا للتنمر معرضين بالإصابة ببعض الأمراض الخطيرة، فقد أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يعانون من التنمر هم أكثر عرضة بنسبة 59 % في المائة للإصابة بأمراض القلب أو دخول المستشفى بسبب أزمات قلبية جلطات، بالإضافة في أن التنمر قد يسهم في خلق اضطرابات في المزاج مثل القلق والاكتئاب أو تعزز سلوكًا غير صحي مثل التدخين والأكل بشراهة.
في الحقيقة يجب على المتنمر عليه أن يتجاهل آراء الأخرين التي تحطمه ويجب أن يجد من يسانده والوقف إلى جانبه بقوة، فمتى ما تعرض إلى المضايقة يسرع في الاتصال بصديقه المقرب منه والذي يعرف بأنه سوف يدافع عنه بقوة أمام المنتمرين ويضع حدًّا لسلوكهم المشين. يجب أيضًا على الأهل دعم أبنائهم في محنتهم ويحاولوا بأن يجدوا حلًّا لمشكلته قبل أن تتفاقم بشكل كبير. لكي يشعر أبناؤهم بالراحة والطمأنينة ويعرفوا أن هناك دومًا من يقف إلى جانبهم ولن يتخلوا عنهم مهما كانت الظروف. وللمدرسة دور مهم في معاقبة المتنمر ووضع قوانين صارمة في كل من يحاول أو يفكر بالتنمر على أحد أنه سوف يعرض نفسه للعقوبة.