محمد عبدالله العتيبي
لو سألت أحد المتخصصين في علم النفس والاجتماع أو المربين الذين نجحوا في تربية أولادهم لأجمعوا بأن التربية بالقدوة هي الطريقة الصحيحة والناجعة بعيداً عن كلمات الوعظ والخطب الرنانة، وبعيداً عن النظريات التي لا تتجاوز الورق ومقرات البحوث العلمية والمناهج الدراسية والأكاديمية، كل الأولاد لهم حق علينا ولانختلف في ذلك، وهنا تحديداً فقط سأتحدث عن الأبناء (الذكور) بحكم أن الابن هو الأكثر التصاقاً بوالده، صحيح أن التفاعل مع البيئة والمحيطين من الأقران والأقارب والأصدقاء له تأثيره في تشكيل سلوك الأبناء ولكن هذا التفاعل قد يكون عشوائياً بلا توجيه أو تصحيح للأخطاء، فمن يضمن أنهم لن يكتسبوا الأخلاق والعادات السيئة؟ هنا يأتي دور الأب ليكون قدوة على أرض الواقع وبشكل عملي.
ما المانع بأن يخصص الأب كل يوم من وقته ولو ساعة لأبنائه الصغار أو أطفاله خصوصاً من هم في مرحلة الطفولة المتأخرة - والتي اتفق الكثيرون أنها مابين سن 9-12 سنة والبعض حددها من 6-12 سنة - وكما ذكر أحد المختصين أن بإمكاننا التحكم في الأطفال الصغار وتشكيلهم وتربيتهم كما نريد حتى سن 12 سنة وبعدها يكون الأمر أكثر صعوبة حين يشارفون على مرحلة المراهقة، جرب أن يكون ابنك صديقك وتأخذه معك باستمرار لخارج البيت لتجلس معه في مقهى أو لمشاويرك اليومية، جرب أن تأخذه معك لأصدقائك أحياناً، واجعله يجلس معهم ومع ضيوفك في مجلسك ليتعلم من الكبار ويتخلق بأخلاقهم، أو يذهب معك لشراء بعض الأغراض ليرى كيف تتعامل مع الآخرين وتسلم عليهم وتبتسم في وجوههم وتدعو لهم، وأحياناً اجعله يشتري بنفسه ويحاسب وأنت تراقبه عن قرب وعن كثب ليشعر بقيمته وبأنه شخص مسؤول وليعرف كيف يتصرف بالمال، فمثل هذه التجارب تزيد من ثقته بنفسه وتجعله يحتك بالآخرين بشكل مباشر ليتعرف عليهم وعلى أطباعهم، وتوضح له بأن منهم الأخيار ومنهم الأشرار ولا بد أن يتعامل مع الناس بفطنة ونباهة، فكن معه مابين توجيه وتحذير، توجهه للقول الحسن وفعل الفضائل مع تصويب الأخطاء مباشرة في حينها (أنت قلت كذا وفعلت كذا وهذا خطأ ولا يليق، كان من الأفضل تقول كذا وتفعل كذا ..إلخ ) وتشجعه على السلوكيات الإيجابية وتعززها بداخله مثل شكره للآخرين أو لأمانته المالية وصدقه وما شابه ذلك من سلوكيات حسنة، وحتى كلماتك ولزماتك التي تكررها وتلزمها احرص أن تكون منتقاة بعناية لأن ابنك سيقلدها وكل هذا مجرب، ما أجمل أن تحاور ابنك وتنزل لمستوى إدراكه واهتماماته وتضحك معه وتمازحه لكي يطمئن لك أكثر حتى لاينفر منك، وتأخذ رأيه: (مع أي طريق تريدنا أن نذهب.. وفي أي مسجد تريدنا أن نصلي.. ما رأيك في كذا وكذا هل تريدنا أن نذهب لهذا المحل أو ذاك..) وهكذا تفاصيل صغيرة نظنها بسيطة ولكنها تشكل تحولات مفصلية في حياة أبنائنا وتعني لهم الكثير في نموهم العقلي والنفسي والجسدي وعلى كل المستويات، أمور بسيطة يحرمها بعض الآباء عن أبنائهم أحياناً للأسف تكون جهلاً منهم أو خوفاً عليهم بإفراطهم في حمايتهم وكل ذلك يولد لدينا جيلاً هشاً اتكالياً وضعيفاً.
بعض الآباء للأسف يشح بوقته على أولاده فيجعل ارتباطه بأصدقائه والآخرين أياً كانوا مقدماً على جلوسه معهم فلا يدع مناسبة إلا يحضرها ولا مجلساً - ولو كان مكرراً مملاً - إلا تصدره وكأنه أمرٌ مقدسٌ لا يجب عليه تفويته أو التنازل عنه؟! لم يدع فرصة للعزلة مع ذاته فضلاً عن مجالسة أبنائه وتخصيص بعض الوقت لهم فتمر اللحظات الجميلة والمناسِبة بل الأيام والشهور للأسف فتكون مجالسته لهم عابرة وغير كافية للغوص في أعماقهم ومعرفة احتياجاتهم وفهمهم ومحاولة الارتقاء بتربيتهم ليكونوا نبتة حسنة في حياتهم وقادرين على الاعتماد على أنفسهم وبر والديهم وليكونوا لبنة نافعة في مجتمعهم ووطنهم.