عبد الله سليمان الطليان
سؤال يطرح ويشمل الذكر والأنثى على حدٍّ سوء، الإجابة عليه تعتمد على مواقف مختلفة في حياة كل إنسان وإنسانة، منها الذي يدخل السعادة والفرح، ومنها الذي يجلب الحزن والأسى والكدر، نمر بمراحل مختلفة من العمر شباب وكهولة وشيخوخة، عادة نفرح بكلمة (ما زلت في شبابك) ولكن عندما يقال لك أنت الآن في مرحلة الكهولة والشيخوخة، يكون تأثيرها قاسياً على النفس مع أنها لا تذكر في أحاديثنا إلا قليلاً وهي في الحقيقة موجودة في الأرقام التي تصنف أعمارنا، تتضح أكثر عند زيارة الطبيب.
نحن في عداد الوقت الذي يمر علينا بين يوم وأسبوع وشهر وسنة والذي يسير بدون توقف إلا بمشيئة الله، ينحت معالم الهرم في أجسادنا، ويجعلها تذبل شيئاً فشيئاً، يلاحقها البعض منا من أجل وأدها وإخفائها، بحسب استطاعته وقدرته، هذا حالة أن الجسد ظل معافىً سليماً بدون أن يقع ضحية المرض، ولكن إذا هجم المرض يجعل الجسد محاصراً، يبذل جاهداً المقاومة يمكن أحياناً يأخذ وقتاً من العمر من أجل التشبث بالحياة، هذا إذا كان حراً طليقاً ليس أسيراً للمنزل أو المستشفى، ولم يكن خلف قضبان السجن الذي يكون أشد وطأة في خطف العمر، يزداد الأمر سوءاً إذا كان مع موعد في الذهاب إلى تحت التراب، يكون الجسد في تفكير مقلق ومضطرب ومتوتر ومؤلم.
لن تكون هذه النظرة قاتمة عن العمر يوجد ما يجعله صاحبه في سعادة، يأتي في المقام الأول الالتزام بطاعة الله والرضا بالقدر، ثم بعد ذلك تقديم البذل والعطاء وخدمة المجتمع الذي له نواحٍ متعددة، والتي من ضمنها العمل هو أقرب مواطن السعادة إذا تم بإخلاص وحرص وجهد وجدٍّ، طبعاً بعيداً عن منغصات مالية واجتماعية, والمقصود العمل هنا العام أو الفردي الخاص الذي يشمل البحث والاستكشاف والتجارب العلمية المختلفة التي هناك من ضرب المثل في طرقها رغم تقدمه في العمر، وهم كثيرون ذكرت بعضاً منهم في مقال سابق وسوف أعيد وأذكرهم من جديد، العالم البريطاني جون دالتون صاحب النظرية الذرية كان طول عمره يجري بشكل يومي القياسات والأرصاد الجوية حتى في اليوم الذي توفي فيه وهو في سن الثامنة والسبعين، وهناك عالم الرياضيات السويسري ليونهارد أولبر أحد أهم علماء الرياضيات في العصر الحديث توفي في سن السادسة والسبعين وفي يوم وفاته نفسه كان مشغولاً لدرجة كبيرة في إجراء الحسابات الرياضية الخاصة بمدار كوكب أورانوس الذي تم اكتشافه قريباً، وهذا عالم الأحياء الهولندي الشهير لوفنيهوك أبو علم الأحياء الدقيقة ظل لمدة ستين سنة وهو يستكشف بعدسته المكبرة الشهيرة الكائنات المجهرية، عندما كان على فراش الموت وهو في سن التسعين كان يجهز لتقرير علمي جديد يرغب في إرساله إلى الجمعية الملكية البريطانية، العالم انيشتاين شغل نفسه في العقود الأخيرة من حياته لإيجاد نظرية علمية جامعة توحد جميع القوى والظواهر الفيزيائية، ظل سنوات طويلة يجري ويجرب المعادلات الرياضية المعقدة حتى وهو في المستشفى ولم يتوقف عن إلا قبل وفاته بيوم واحد، العالم النمساوي كارل لاندستينير مكتشف فصائل الدم المختلفة والحاصل على جائزة نوبل في الطب لعام 1930 عندما توفي عام 1943وهو في سن الـ 75 مات على طاولة البحث في مختبره الطبي بمعهد روكفيلر، وأخيراً هناك الكيميائي الأمريكي جيلبرت لويس أحد أهم علماء الكيمياء في العصر الحديث والمشهور من خلال ما يسمى أشكال لويس وأحماض لويس، عندما بلغ سن السبعين في سنة 1946وجده أحد طلبته ميتاً تحت طاولة الأبحاث في مختبر الجامعة.
لقد أعدت ذكر هؤلاء العلماء المستكشفين في جانب علمي وأعرف أن هناك رواداً في العلوم الأخرى المختلفة، لقد طبق هؤلاء القول (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) وإن كان قولاً وليس بحديث ولكنه يحث على طلب العلم والجد فيه، وهذا يجعلنا أن لا نتوقف عند العمر وتصرمه ويكون مصدراً مقلقاً لتفكيرنا، بل يجب علينا أن نبحث عما يصنع السعادة في أنفسنا وهذا لا يتحقق بألا نكون مرهونين له بل السير في هذه الحياة معتمدين على إرضاء الله وطرق أبواب العمل والبذل والعطاء والمساعدة الإنسانية التي هي حقاً مصدر السعادة. دمتم في رعاية الله.