محمد سليمان العنقري
مما لا شك فيه أن الشركات العائلية تلعب دوراً مهماً بالاقتصاد فعددها يفوق 530 ألف منشأة ومساهمتها بالناتج الإجمالي تزيد عن 800 مليار ريال سنوياً وتوظف الملايين من القوى العاملة وتتوزع على كافة القطاعات وللحفاظ عليها فقد اتخذت عدة مبادرات من أهمها تحفيز ملاكها للحفاظ عليها عبر تحويلها لشركات مساهمة عامة وإدراجها بالسوق المالية بالسوق الرئيسية، كما يعد إنشاء سوق نمو أحد أهم مبادرات دعم الحفاظ على هذه الشركات وفتح المجال لكي توسع من أعمالها عبر خطوط تمويل جديدة من السوق المالية من خلال الاستفادة من تقييمها وهو ما يسمح لها بالحصول على قروض بمزايا أفضل من قطاع التمويل التجاري وحتى من صناديق التمويل الحكومية إضافة إلى رفع رؤوس أموالها بالسوق والعديد من المنافع التي تدعم تحقيق أهدافها، فالشركات العائلية هي من تملك عائلة أسستها حصصاً كاملة بها أو أغلبية وقد تكون مملوكة لأكثر من عائلة ويختلف التأثير بالقرارات وفق حصص كل طرف من ملاكها المؤسسين ولذلك يعد إدراجها بالسوق المالية حفاظاً عليها من التفكك عندما تنتقل لجيل آخر من الورثة.
ولكن بالنظر إلى ما أدرج من شركات عائلية بالسوق المالي وهي تعد بالعشرات فبعيداً عن من نجح منها وما زال ينمو بشكل جاذب للاستثمار فإن عدداً لا يستهان به يعاني مستثمروها من خسائر كبيرة ومن عام لآخر تحقق هذه الشركات نتائج سلبية وإذا حققت ربحاً في عام تلته أعوام من الخسائر ومع تراكمها تقوم بشطبها عبر تخفيض رأس المال ثم تطلب إعادة تمويل أعمالها بطلب رفع رأس المال من جديد وبعضها قام بهاتين العمليتين عدة مرات منذ إدراجها وتصل أحياناً نسبة ما يطلب شطبه من رأس المال لأرقام كبيرة جداً تتخطى 50 أو 80 بالمائة وهي بلا شك أرقام تعكس حجم الإشكالية الكبيرة التي تواجهها هذه الشركات في إدارة أعمالها داخلياً، فشطب الخسائر ثم طلب إعادة التمويل من السوق وتكرار هذا الأمر عدة مرات يدخل المستثمرين بها بخسائر لا يعرف لها نهاية وفي كل مرة تعلن هذه الشركات عن إستراتيجيات جديدة ويتم تمويلها ثم يفاجأ السوق بعد أعوام قليلة جداً بأنها عادت للمربع الأول وتبخر جزء من رأس المال الجديد.
وهنا لا بد من طرح سؤال: هل فعلاً أصبح من الضروري استمرار إدراج الشركات العائلية بالسوق المالية؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من النظر إلى حجم تأثيرها بالاقتصاد وما هي الأدوار التي تقوم بها ولذلك فإن دورها الكبير يفرض الإجابة بنعم ناهيك عن حق كل شركة بأن تتقدم بطلب لإدراجها بالسوق إذا استوفت الشروط المطلوبة والمؤهلة للإدراج، ولكن أصبح أيضاً من الضروري إعادة النظر بنوعية الأعمال التي تؤهل شركة عائلية للإدراج، فعالم الأعمال تغيَّر كثيراً في السنوات الماضية ومنذ التطور التكنولوجي الهائل والتوسع بالانفتاح التجاري عالمياً فإن عوامل عديدة دخلت في طبيعة الأعمال وألغت أهمية كيانات تجارية تأسست واستمرت تتوسع وفق الطرق التقليدية الكلاسيكية للأعمال ففي تجارة التجزئة أصبحت مواقع المتاجر الإلكترونية ذات تأثير بالغ جداً تسببت بانهيار شركات تجزئة عالمية عمرها عشرات السنين، كما أن القدرة التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة وأنظمة التجارة الدولية أصبح معها من الممكن شراء أي سلعة أو منتج من أي مكان بالعالم بالإضافة لتحول الكثير من الأعمال لاستخدام التقنيات الحديثة وكذلك تأسيس شركات وفق رؤى متقدمة استطاعت أن تأخذ حصص كبيرة من الشركات العائلية التقليدية إضافة لعامل مهم أيضاً أفقد بعض تلك الشركات الثقة بها وهو أمر طبيعي عندما تقع بالخسائر لفترة طويلة لكن عند الغوص بالأسباب فإن جلها بسبب داخلي لأن الاقتصاد الوطني يحقق نمواً ممتازاً بالنشاطات غير النفطية فتجد في تقارير صادرة عن تلك الشركات ومن باب الشفافية المفروضة بالسوق أن كثير من أعمال التوريد أو تأجير المرافق تعود لأطراف ذات علاقة وهم من الملاّك المؤسسين أي أنهم يحققون أرباحاً مضمونة ولا تؤثّر عليهم خسارة الشركة المدرجة وهو أحد الأمثلة بخلاف عدم تطوير الأعمال لديها لتواكب العصر الجديد للاقتصاد محلياً وخارجياً فبعض هذه الشركات أفلست وخرجت من السوق نتيجة ضعف نشاطها وعدم تطورها
وهو ما يعني أن أهمية النظر بطبيعة أعمال أي منشأة عائلية ترغب في الإدراج أصبح أمراً ملحاً للحفاظ على جاذبية الاستثمار بالسوق فأي أعمال أضعفتها أساليب التجارة الحديثة كأعمال التجزئة والخدمات التي تغيرت الأهمية لها بل وحتى الشركات الصناعية التي لا تعتمد التكنولوجيا الحديثة أو تقدم منتجات زاد منافسيها بشكل كبير ويظهر التراجع أو التذبذب بحجم نشاطها فإن الأفضل عدم قبولها بالسوق وتوجيه التركيز على الشركات ذات الأهمية الإستراتيجية كالأمن الغذائي أو الخدمات وأيضاً الصناعية واللوجستية المهمة حتى تساهم أكثر بزيادة الطاقة الإنتاجية بالاقتصاد
الشركات العائلية مهمة بالاقتصاد ولها دور إستراتيجي وليس بالضرورة إدراجها جميعاً فهو أمر مستحيل بكل الأحوال ولكن إعادة النظر بمستهدفات دعم إدراجها كالتركيز على قطاعات معينة لفترة زمنية تتم مراجعتها باستمرار وتغيير إما بإيقاف أو إضافة قطاعات أو نشاطات جديدة إضافة للعمل على إنشاء «سوق خارج المقصورة» يتم فيه تقييم وبيع حصص ملاك هذه الشركات دون الحاجة لإدراجها والسماح بتداول أسهمها للعامة وقد تكون خطوة تهيئ هذه الشركات بشكل أفضل للاكتتابات العامة وعلى أقل تقدير تكون مرحلة إضافية للحفاظ عليها دون الحاجة لإدراجها بالسوق.