تغريد إبراهيم الطاسان
لطالما اعتبرت البطالة مشكلة عالمية تواجه أكبر الدول، لذا تعتبر الجهود المبذولة لتخفيض نسبها أحد التحديات الرئيسية التي واجهتها الحكومات والمجتمعات حول العالم. فالبطالة ليست مجرد مشكلة اقتصادية، فبالإضافة إلى تأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي هي تؤثر على البنية الاجتماعية وتنخر في عصب استقرارها المجتمعي، من أجل ذلك تبذل الحكومات والمنظمات الدولية جهوداً كبيرةً لتخفيض هذه النسبة، وإيجاد فرص عمل مستقر لمواطنيها.
ولأننا جزء من هذا العالم، فقد طالنا من إزعاجات هذه المشكلة جانب، من أجل ذلك حرصت بلادنا على الاهتمام بملف البطالة ووضعه كإحدى أولوياتها، وفي سبيل ذلك بذلت ولا تزال تبذل جهوداً كبيرةً لمواجهـة هذه المشكلة باعتبارها إحدى الآفات الخطيرة نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، وبناءً عليه اتخذت العديد من الخطوات وسنت الكثير من التشريعات لمواجهتها، وهو ما أكدت عليه رؤية المملكة 2030 التي اشتملت على مضامين وبرامج ومشروعات مهمة من أجل القضاء على البطالة من جذورها، فعند إطلاقها في منتصف العام 2016 كانت من أبرز التحديات الماثلة آنذاك خفض معدلات البطالة التي كانت تتراوح حينذاك ما بين 10 % و13 %، لتضع الرؤية هدفاً طموحاً كان بمثابة الحلم آنذاك، من خلال وضع الإجراءات والقوانين وإطلاق البرامج ومبادرات التوطين التي تساهم في خلق الفرص الوظيفية لأبناء وبنات الوطن، والسيطرة على نسب البطالة للوصول بمعدلاتها إلى 7 % بحلول 2030 .
اليوم وبعد مرور أكثر من 7 أعوامٍ على إطلاقها، نحن نعيش نتائج الرؤية حقائق ملموسة في خفض نسب البطالة لمستويات تاريخية متدنية، وهذا بلا شك نجاح متميز يمكن مشاهدته على أرض الواقع من خلال المؤشرات والأرقام المعلنة للربع من العام الماضي، ففي تحول إيجابي يلقي الضوء على التطورات الجارية في سوق العمل السعودي، ولأول مرة منذ العام 1999 وفي مشهد مغاير تماماً وصلت نسبة البطالة بين إجمالي السعوديين إلى 7.7 %، بالإضافة إلى نزول تاريخي غير مسبوق لمعدل البطالة بين السعوديات بلغ 13.7 %، وهو ما حظي بتنويه وإشادة مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت الأسبوع الماضي برئاسة سمو ولي العهد، الذي طالما أكد أن خفض نسب البطالة وزيادة معدلات التوظيف هي على رأس أولويات الحكومة.
والحقيقة أن هذا التراجع التاريخي في نسب البطالة، يعكس قوة الزخم التي يشهدها الاقتصاد السعودي، وخاصةً نمو الأنشطة غير النفطية التي سجلت 50 % من الناتج المحلي الإجمالي السعودي الحقيقي العام الماضي، كما يترجم تراجع نسبة البطالة الجهود الرسمية التي بذلتها الدولة، والعمل الحكومي المشترك في ظل قيادة واعية من أجل تحسين جاذبية سوق العمل، بما يسهم في توظيف مزيد من الكوادر السعودية في القطاعين الحكومي والخاص، وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية بمعالجة كافة الإشكاليات الاجتماعية والاقتصادية ومنها التوظيف.
وإذا تحدثنا عن جهود الحكومة لخفض نسب البطالة، فلا يمكن حصرها أو وصفها من حيث التناغم والتكامل والدقة والاحترافية والفعالية، بدءاً من الإصلاحات والتشريعات المهمة التي أحدثت تحولاً نوعياً خلال السنوات الماضية من خلال التحسين المستمر لبيئة الأعمال وإحداث تغيرات هيكلية في نظام التعليم والتدريب والعمل على ملاءمة مخرجات التعليم والتدريب بمتطلبات سوق العمل، إضافة إلى دعم القطاع الخاص لتوظيف أبنائنا وبناتنا ومساعدتهم في تولي العديد من المهن المختلفة، علاوة على دعم ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة وضخ مشروعات كبرى في الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز القطاعات الواعدة كالسياحة والترفيه والتقنية والذكاء الاصطناعي، بما يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي الداعم لتمكين السعوديين والسعوديات، وخلق مزيد من الوظائف النوعية لهم.
وبموازاة الجهود الرسمية التي تبذلها الدولة من أجل معالجة ملف البطالة، يبقى الدور الأكبر على شبابنا ليكونوا شركاء في هذه الجهود، فهم بلا شك قادرون على تحمّل المسؤولية وكسب التحدي والمنافسة واقتحام كافة المجالات والنشاطات وفهم متغيّرات العالم من حولهم والتعاطي معها، وهم قادرون كذلك على خلق فرص عمل استثنائية من خلال تطوير مهاراتهم وقدراتهم وتعلم المهارات الجديدة واستغلال فرص ريادة الأعمال، والمشاركة في الأعمال التطوعية التي من خلالها تفتح لهم آفاق عملية متعددة، ليكونوا مساهمين في الحراك الاقتصادي، ويحققوا أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة في المملكة.