د. محمد عبدالله الخازم
هذا عنوان مؤتمر تنظمه جامعة الإمام محمد بن سعود في الأيام القادمة، يحفزني إلى تكرار بعض الأفكار التي سبق طرحها في هذا الموضوع. لعبت الجامعة السعودية دوراً مهماً في تعزيز قيم الوحدة والانتماء والتعايش الوطني والبناء الاجتماعي وربما هناك مخاطر تهدد ذلك الدور المميز الذي برزت فيه. سنبدأ مقالنا بإيجابيات الجامعة السعودية.
كتوطئة، أنا شاهد أو نموذج لما لعبته الجامعة السعودية من أدوار في تعريفي بوطني وتقديمه لي بشكله الجميل. أنهيت الثانوية في منطقتي الصغيرة التي لم يكن بها جامعة ومداركي محدودة حول تفاصيل الوطن وتنوعاته الجميلة. جامعة الملك سعود كانت مصدر الإسهام بالنسبة لي في تقريب المسافات الاجتماعية والجغرافية بين أبناء المجتمع الكبير، الوطن. تعرفت وسكنت ودرست ولعبت فيها مع أبناء الوطن من شرقه وغربه وشماله وجنوبه ووسطه. عرفت كم هو وطني فسيح ومتنوع وغني بثقافاته. أصبح لي في كل جزء منه معرفة أو صداقة أو شراكة عمل ومعرفة وماهو أكثر من ذلك. تعرفت وتعايشت مع الانتماء الأرحب، للوطن بمختلف أطيافه وتنوعاته...
تلك تجربة معاشة وليست مجرد أبحاث وتنظير علمي. الوحدة والانتماء الوطني والتعايش ضمن مدلولاتهما تقليص الفوارق الاجتماعية، وجامعاتنا الحكومية أسهمت في هذا الجانب بشكل كبير، فابن الفلاح يدرس بجانب ابن التاجر وابن المدينة بجانب ابن القرية وابن شيخ القبيلة بجانب ابن راعي الغنم. وليس الأمر هنا مجرد تعارفنا، بل انطلاقنا من فرص متقاربة في بناء قدراتنا وذواتنا. حتى أنه ليس مستغرباً أن تجد ابن قرية في طرف البلاد يصبح وزيراً أو رئيساً لإحدى كبريات المؤسسات الأهلية والحكومية خارج مدينته أو منطقته الأم وللجامعة دور كبير في ذلك حين احتضنت الجميع دون تمييز، سوى الكفاءة. منحتهم مفاتيح التأهيل لحياة التنافس المهنية والعملية في ظل وطن رحب، واسع، متعدد، متنوع ومحتوٍ للجميع. الانتماء والتعايش يكمن في تقليص الحواجز القبلية والمناطقية والطبقية والشعور بأننا في وطن يمنحنا الفرص المواتية والمتكافئة بناءً على جدارتنا وقدراتنا الذاتية..
الجامعة عبر مخرجاتها أسهمت في تطوير الوظائف والتجارة والصناعة والإدارة والثقافة وغيرها، وبالتالي رفع مستوى المعيشه عبر تأهيل أبناء الوطن للعمل في المصانع والدوائر والمؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية وفقاً لمؤهلاتهم التي أسهمت الجامعة السعودية في صناعتها وليس مرجعياتهم الضيقة. الأمر هنا ليس مجرد فترة تعايش خلال سنوات الدراسة بل بناء وتأسيس لانتماء وتعايش أكبر، امتد بنا على مدى العمر وفي كافة ربوع الوطن.
الانتماء والتعايش والوحدة الوطنية نلحظها، كذلك، داخل الجامعات ذاتها، حيث تجد أساتذتها ومنسوبيها من مختلف مناطق بلادنا يجمعهم هدف خدمة الوطن حتى لتصبح الجامعة (بانوراما) أو نموذجاً نطل منها على انتماءاتنا وتعايشنا الوطني الذي نفتخر به. ترى مدير جامعة في الشمال من أبناء الجنوب ومدير جامعة في الجنوب من أبناء المنطقة الوسطى وهكذا، وطن واحد ننتمي له ونبذل الجهد في خدمته أينما احتاجنا وكيفما كلفنا به...
الخلاصة، للجامعة دور مهم في خلق الانتماء والتعايش والوحدة وقد لمسنا ذلك واقعاً تطبيقياً بالذات في الجامعات الأول وفي المدن الكبرى. على الرغم من ذلك فإن واجبنا مواصلة العمل نحو استمرار ما تحقق في هذا الشأن وتطويره للأفضل، باعتباره ليس مجرد منتج يتحقق مرة واحدة، بل رحلة حياة. السؤال، هل لا زال النموذج التطبيقي الذي شرحته أعلاه قائماً؟ هل هناك أخطار تهدده؟ ليكن ذلك محور مقالي الأسبوع القادم...