د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يرتبط معدل البطالة في كل دول العالم بالنمو الاقتصادي، إذ إن العلاقة بينهما عكسية، فارتفاع النمو الاقتصادي بزيادة 1 في المائة سيخفض معدل البطالة بما يقارب 0.16 في المائة، هذا عدا عن استحواذ العمالة الوافدة على الوظائف كما في السعودية بجانب ارتفاع البطالة في النساء بسبب قيود متعددة، مما يزيد من معاناة البطالة، والتي تؤدي على المدى الطويل إلى عدم الاستقرار الاجتماعي لأن نسبة الفقر تتسع، وفي نفس الوقت يفقد الاقتصاد أحد محركاته عندما ترتفع نسبة البطالة مما ينعكس على انخفاض الانفاق الاستهلاكي.
تراجع البطالة في أمريكا وأوروبا إلى مستويات دنيا تدل على قوة حراك الاقتصاد، مما يقود إلى انخفاض عدد الطلبات للحصول على إعانات البطالة، بل إن هناك مثلاً 3 أسباب منحت الاقتصاد الأمريكي التفوق على نظيره الأوروبي، لأنها حققت نمواً اقتصادياً سريعاً وسوق عمل قوية وانخفاض التضخم جعلها تتفوق على جميع الاقتصادات المتقدمة في أوروبا والمناطق الأخرى، بعدما كانت البطالة ترتفع بوتيرة ثلاثة أضعاف من معدل البطالة في أوروبا في 2020 .
إضافة إلى برامج الرؤية التي انتهجتها السعودية ومبادرات حكومية عززت جاذبية سوق العمل اتجهت إلى دعم توظيف السعوديين بالقطاع الخاص استفاد منها 1.9 مليون مواطن ومواطنة من الخدمات والمنتجات، حيث قدمت 8.7 مليار ريال فقط خلال عام 2023 في خطوة لتحفيز منشآت القطاع الخاص تجاوز عدد المنشآت المستفيدة نحو 120 ألف منشاة نحو 89 في المائة من المنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، ورفع مستوى مشاركة السعوديين في سوق العمل، وتمكين التوظيف واستدامته لدى الشركات والمؤسسات يأتي بالتزامن مع اقتراب معدل البطالة بين السعوديين من مستهدفات الرؤية 2030 التي كانت وضعت حدا له بين 4- 7 في المائة.
إذ سجل تراجعاً بنهاية الربع الأخير من 2023 ليصل على 7.7 في المائة، وكما أكد سمو ولي العهد أن الدولة عازمة على تحقيق هذا المستهدف قبل الموعد المحدد، حيث نجد أن معدل البطالة في الربع الرابع 2023 نحو 7.7 في المائة بعد أن سجل 8.6 في المائة في الربع الثالث من نفس العام تعتبر قفزة، وانخفض معدل البطالة العام سعوديين وغير سعوديين من 5.1 في المائة إلى 4.4 في المائة لنفس الفترة، وانخفضت البطالة بالنسبة للسعوديات من 16.3 في المائة إلى 13.7 في المائة لنفس الفترة، واستقر معدل البطالة بالنسبة للذكور عند 4.6 في المائة، أي أن نسبة مشاركة السعوديين من إجمالي العمالة سعوديين وغير سعوديين ارتفعت من 51.3 في المائة إلى 60.4 في المائة لنفس الفترة.
تمكنت إستراتيجيات منظومة الموارد البشرية من تحفيز القطاع الخاص لتسريع معدل توظيف السعوديين إلى جانب برامج دعم التدريب والتمكين إلى جانب تحفيز الاستثمارات وخلق بيئة اقتصادية جاذبة، أي لم يقتصر التوظيف فقط على الإحلال الذي لن يحقق التوظيف المستدام، بل اتجهت إلى التوطين وخصوصاً أن المشاريع العملاقة أسهمت في رفع معدلات التوظيف، رغم أن هذه المشاريع لم تكتمل وهي بحاجة إلى وقت، لكن الشركات العملاقة تقود شركات القطاع الخاص التي توفر فرص وظيفية متاحة.
ما يعني أن الدولة اتجهت إلى الاهتمام بالتوطين الذي يقود نحو اقتصاد أكثر استدامة، باعتبار أن الاهتمام بالرأسمال البشري الركيزة الأساسية التي تقود عجلة الاقتصاد والتنمية، مما يضع السعودية في مصاف الدول المتقدمة، وخصوصاً أن هناك جهوداً مبذولة من أجل تحديث الاقتصاد وتحويله نحو القطاع الخاص، لأن توفير الوظائف من قبل القطاع الخاص مستدام على المدى الطويل اجتماعياً واقتصادياً مقارنة بالتوظيف المدعوم من الدولة، حيث على الصعيد الدولي مستوى الإنتاجية في القطاع الخاص أعلى من مستوى الإنتاجية في القطاع العام، وتود الدولة أن يصبح القطاع الخاص يمتلك مزايا تنافسية وأكثر جاذبية تفوق ما يقدمه القطاع العام.
طبقاً لتقارير الهيئة العامة للإحصاء في السعودية تضاعف عدد الموظفين السعوديين من 2.94 مليون عام 2000 إلى 6.02 مليون عام 2018 لكن كان النمو أسرع للوافدين ارتفع من 3.04 مليون إلى 7.85 مليون لنفس الفترة، بينما انخفضت نسبة السعوديين من 50 في المائة إلى 40 في المائة لنفس الفترة، فكان استثمار السعودية في الرأسمال البشري في 2018 في المركز الـ84 من أصل 174 دولة والسادسة عربية يظهر ذلك سلبياً في عملية الإنتاج.
أي أن السعودية حققت 23 نقطة ونحو 72 نقطة للولايات المتحدة، طبعاً بعد اتباع السعودية إستراتيجية التوطين، فقد حققت تقدماً في محور الاستثمار والتنمية من المرتبة الـ37 إلى المرتبة 32 في عام 2022 وفي محور الجاذبية تقدمت من المرتبة الـ35 إلى المرتبة الـ20، بل سجلت السعودية تقدماً ملحوظاً في عدد من المؤشرات الدولية نتيجة للتحسينات الاقتصادية التي تجريها الدولة في 36 مؤشراً دولياً، حتى أصبحت السعودية الثامنة في مجموعة العشرين متخطية اقتصادات متقدمة كفرنسا واليابان وإيطاليا في تقرير التنافسية الدولية، وحققت المركز الـ17 عالمياً في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2023 مما يعزِّز من مواصلة توسع الاقتصاد السعودي الذي يوفر مزيداً من الفرص الوظيفية.