عبده الأسمري
ما بين القضاء والإفتاء ضرب أروع «الأمثال» في دروب الوفاء والاستيفاء مولياً وجهه قبلة «الفقه» وموجهاً همته قبالة «التدين» فكان أنموذجاً للالتزام الديني ومثالاً للإلهام المهني في متون «القيم» وشؤون «الهمم».
مضى راشداً يزرع «بذور» الأمنيات ويجنى «حصاد» النجاحات في محطات عمر أضاءها بإشعاع «التمكّن» الذي جناه من «فضاءات» التمكين».
من أعماق «الثبات» إلى آفاق «الإثبات» خدم راية «الشريعة الإسلامية» وحقق غاية «السنة النبوية» معتمداً على «براهين» الآيات ومستنداً على «أسانيد» الأحاديث.
سخر «معاني» التوحيد ووظف معالم «الحديث» في إقامة صروح «الفرائض» في مسيرة مبنية على «الكفاءة» وسيرة مقامة على «الإجادة» وسط شهادات نالها بعناوين «النجاح» واستشهادات سطرها في مضامين «الفلاح».
إنه عضو هيئة كبار العلماء سابقاً الشيخ الدكتور صالح الأطرم -رحمه الله - أحد العلماء والفقهاء في السعودية والعالم الإسلامي.
بوجه متدين تملؤه سمات «الزهد» وتسكنه صفات «الود» مع ملامح وقورة مألوفة يسطع منها «ضياء» الدين» ويشع وسطها «سطوع» التقوى تشبه والديه وتتشابه مع أخواله وأعمامه ولحية بيضاء كساها «الشيب» والطيب مع تقاسيم ودودة محفوفة بطيب المحيا وصفاء الحضور وشخصية متزنة وسطية القول نزيهة الرأي شفافة الموقف لينة الجانب لطيفة المعشر سديدة الرؤى سخية العلم جلية الأثر وأناقة مشفوعة بالتواضع تتكامل على محيا عامر بالفضل وغامر بالنبل وضمير متصل بالأمانة وصوت جهوري ينطلق من حنجرة يتلألأ فيها جميل التواصل ونبيل الوصال ومقام باهي بالأخلاق وزاهي بالوفاق مع سداد في الأقوال واستشهاد في الدلائل ولغة عامرة بالفصاحة وغامرة بالحصافة قضى الأطرم من عمره عقوداً وهو يرسم مشاهد «الفتوى» ويؤصل شواهد «الصلاح» ويعلي «أصداء» التفكر من عمق «التبصر» ويكتب «معاني» التوحيد» في أفق «التسديد « منطلقاً من أصول «السريرة» ومتجهاً إلى فصول «البصيرة» قاضياً ومفتياً وأكاديمياً ومؤلفاً ووجهاً أصيلاً في قوائم «الفضلاء» ووجيهاً نبيلاً في مقامات «الفقهاء» وزع مناهج «الفضائل» وأسس منهجيات «المكارم» في محطات حياة نافعة بالفوائد وشافعة بالعوائد.
في «الزلفي» المحافظة الشهيرة والدرة المنيرة في عقد نجد العذية ولد عام 1353 في نهار مضي ملأ منزل والده بأريج «الفرح» وعبير «السرور» وانتثرت في أجواء المنازل الطينية طيب المشاركة وكرم المباركة وسط أسرة اشتهرت بالعلم وانشهرت بالمعرفة.
نشأ في كنف والد «كريم» سخي اليد وجيه المقام وأم «فاضلة» حانية التربية ومتفانية الود وتجللت طفولته بروح «الهمم» وبوح «الشيم» واكتملت في ذهنه موجبات «الدوافع» وعزائم «المنافع»
أنصت طفلاً مع أقرانه إلى «صوت» اليقين في مكبرات جامع قريته وظل ينتهل من «ينابيع» التقوى وسط مجاميع «التحفيظ» متخذاً من نفائس «القرآن الكريم» جواهر أولى ملأ بها وجدانه فظلت ربيع قلبه ونور صدره وجلاء همه وحزنه في سنوات عمره اللاحقة.
تعتقت نفسه صغيراً بأنفاس «الطهر» في مواطن بلدته المشفوعة بأحاديث الفقهاء وأحداث النبلاء وتشرّبت روحه نسائم «التقى» في مجالس عشيرته المسجوعة بحكايات الطيبين ومرويات الأولين.
تعلم من «كتاتيب» قريته علوم الشرع ومعالم الورع وتربى تحت ظلال «الفرقان» الذي حفظه باكراً وغمر داخله بسمو «البيان» وعلو «التبيان» وانتقل بعدها إلى مدينة الرياض عام 1364 ملاحقاً بعد نظر مبكر قاده لسبر أغوار «التعلم» ودرس فيها حتى أنهى تعليمه بتفوق والتحق بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرّج منها بتميز ودرس في معهد العلوم الشرعية عدداً من التخصصات التي برع فيها وأكمل تعليمه حتى حصل على الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء عام 1404هـ في رسالة بارزة تحولت إلى أنموذج في رسائل الدراسات العليا ثم عمل بعدها أستاذاً في كلية الشريعة بجامعة الإمام
تتلمذ الأطرم على أيدي علماء بارزين، حيث تعلَّم من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ إمضاء «المفتي» ومن عبد العزيز بن باز سخاء «العلامة» ومن عبد الرزاق عفيفي يقين «الحافظ» ومن محمد الأمين الشنقيطي سمت «المحدث» ومن محمد البحيري يقين «المتمكن» - رحمهم الله جميعاً.
بدأ الأطرم في تأسيس حلقات علم وتخرَّج من مدرسته الزاهية بمغانم «المعارف» والباهية بغنائم «المشارف» عشرات المعلمين والعلماء وبعض أئمة الحرمين الشريفين والعديد من قامات العلم الشرعي والإفتاء الديني. وظل يوزع «هدايا» التدريس ويهدي «عطايا» التأليف في آفاق متعددة ومتجددة من المهام المختلفة.
واصل الشيخ الأطرم الركض في دروب العلا وقطف ثمار العمل الدؤوب والجهد المبارك وظل لسنوات وهو يفصل «المسائل» ويدرس «الاختلاف» ويوصف «الاجتهاد» ويناقش «القياس» حتى حصد «الثقة» وعزز «التوثيق»..
في الثامن من جمادى الآخرة عام 1413هـ صدر الأمر الملكي بتعيينه عضواً في هيئة كبار العلماء، وكان وجهاً بارزاً في منظومة الإفتاء وظل يبهج منصات «الفتيا» بوضوح «البرهان» وسطوع «الدليل» وإقامة «الحجة» واستدامة «الرؤية». وقد ارتبط اسمه بالكثير من المحاضرات والندوات القيمة والتي ظلت حتى يومنا الحاضر «منهجاً «للضياء المعرفي و»نهجاً» للأمضاء العلمي.
برع الأطرم في التأليف وله العديد من المؤلفات ومنها حديث الصيام وفضل القيام. ودوافع الإيمان وموجباتها في الفقه الإسلامي ومختصر الوصية وجريمة الحرابة وعقوبتها في الإسلام والوصية وأسئلة وأجوبة في العقيدة. ومناسك المرأة للإمام النووي (تحقيق). وسيرة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. والخطب المنبرية.
تعرض الشيخ الأطرم لمرض في بداية عام 1420هـ وقد واجهه بالصبر والمصابرة وواصل المثابرة في كل شؤون حيلته وعمله وشتى مواطن علمه.
انتقل الأطرم إلى -رحمه الله- صباح يوم الجمعة الموافق ليوم 25 من ذي الحجة عام 1428هـ وصلي عليه في جامع الراجحي، ودفن في مقبرة النسيم وقد نعته مجالس «الأخيار» ومواقع «التواصل» ومنصات الإعلام واقترن نبأ رحيله بالكثير من المآثر التي خلدها في متون «الأثر» وتركها في شؤون «التأثير» ولا تزال كتبه ومحاضراته حاضرة ناضرة في اتجاهات «التدريس» ومجالات «التطبيق» ومنابع للاستفادة من معين الخيرات وينابيع للاستزادة من معن المنجزات.
الشيخ صالح الأطرم.. الفقيه الأكرم صاحب الرصيد المديد من «الذكر الحسن» والاستذكار المشرق» في «مخزون» المعروف و»مكنون» العرفان.