خالد بن حمد المالك
هاجمت إيران إسرائيل؛ تنفيذاً لوعد كانت قد قطعته على نفسها بعد استهداف قنصليتها في سوريا، وجاء الهجوم متأخراً، ما ساعد أمريكا وإسرائيل والحلفاء للتحضير لمواجهة إصرار طهران على ضرب إسرائيل، والانتقام لقتلاها، وبالتالي فلم تحقق طهران أهدافها بعد تدخل الولايات المتحدة باعتراض 99 % من المُسيّرات والصواريخ الإيرانية خارج إسرائيل، وترك 1 % للقبة الحديدية الإسرائيلية لتقوم بالمهمة.
* *
صحيح أن إسرائيل ما كان بإمكانها أن تتصدى لكل هذا العدد من المُسيّرات والصواريخ، لولا أن الجيش الأمريكي هو من قام بهذه المهمة؛ تحقيقاً لالتزام أمريكي بأن واشنطن لن تسمح بالهجوم على إسرائيل، وأنها مَعنية بحمايتها والدفاع عنها ضد التهديد الإيراني، ما جعل هذا الهجوم بمثابة رسالة فقط، كما صرحت بذلك طهران، معترفةً بأنه عمل عسكري محدود سيكون أكبر فيما لو ردّت إسرائيل على هذه العملية محدودة النتائج، وكان لأمريكا دور كبير بمشاركتها فيها.
* *
ويُحسب لأمريكا حتى الآن أنها تجنبت ضرب إيران، ومنعت إسرائيل من ذلك أيضاً، وهذا يتفق مع تسريبات تحدثت عن تفاهمات بين إيران وأمريكا، عبر الوسيط السويسري، ليكون الرد الإيراني على استهداف القنصلية محدوداً بمثل ما حدث، مقابل منع إسرائيل من أي رد فعل يُلهب المنطقة، ويزيد من التصعيد، وتالياً يفتح المجال لقوى أخرى للدخول شركاء في هذه التطورات المُضرّة بالجميع.
* *
كما يُحسب لإيران أنها تجنبت هي الأخرى إلحاق الضرر بالمدنيين في إسرائيل، وركّزت هجومها على المواقع العسكرية، حتى وإن فشلت في الوصول إليها، كما يُحسب لها إعلانها عن أن هجومها انتهى، ولا نية لديها في مواصلته، وهو ما أبلغت به المجموعة الأوروبية، وكأنها ترمي بذلك المسؤولية على إسرائيل في أي تصعيد قادم، في حال قامت بالهجوم على الأراضي الإيرانية.
* *
كما يحسب للمملكة كل التقدير لتعاملها مع هذا التصعيد العسكري غير المسبوق، ودعوتها للأطراف كافةً للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس، ووقف التصعيد العسكري، وتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الحرب، وتحذيرها بشكل متكرر من انفجار الأوضاع في المنطقة، نتيجة استمرار التصعيد العسكري في قطاع غزة وتبعاته إلى نطاق الأعمال العدائية، وتهديد أمن واستقرار المنطقة.
* *
ولم يقتصر موقف المملكة على دعوتها للتهدئة، والتعامل بحكمة مع التطورات التي شهدتها المنطقة خلال الشهور الماضية، ولكنها طالبت مجلس الأمن بالاضطلاع بمسؤوليته تجاه حفظ الأمن والسلم الدوليين، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط؛ منعاً لتفاقم الأزمة، ولما يمكن أن يترتب عليها من عواقب وخيمة في حال توسع رقعتها، في ضوء أهمية المنطقة وحساسيتها للسلم والأمن العالمي.
* *
ومع أن إسرائيل تتحدث عن أن الحرب لم تنتهِ بعد، وهو ما يُفسر عزمها على الرد، إلا أن ذلك سوف يواجه برفض أمريكي، حيث أعلن البيت الأبيض أنه لن يشارك في أي عملية إسرائيلية ضد إيران، وزاد على ذلك بأن بايدن تحدث مع نتنياهو لمنعه من أي عمل تهوري قد يُقدم عليه؛ كونه لا يخدم إسرائيل، ويوسع رقعة التصعيد، ويخل بالأمن في المنطقة.
* *
كل هذا لا يعني أن الملف الإسرائيلي للرد قد تم إقفاله، لمجرد أن الهجوم الإيراني قد فشل، وبالتالي فلا حاجة لرد فعل يساعد إيران على فتح جبهات للهجوم على إسرائيل، فالوضع ما زال متأزماً، وكل شيء ممكن، خاصةً أنّ في حكومة الحرب الإسرائيلية مُتطرّفين لا يقنعهم احتواء الهجوم الإيراني دون الرد عليه، حتى لا يتكرر مرة أخرى، مع علمهم بأن من بدأ العمل الاستفزازي هي إسرائيل باستهدافها للقنصلية الإيرانية في سوريا.
* *
دخول أمريكا وبريطانيا ولاحقاً فرنسا في مساعدة إسرائيل ضد إيران، كان سبباً في احتواء الهجوم، وبالتأكيد فلو أن المواجهة كانت بين إسرائيل وإيران دون تدخل هذه الدول لكانت النتائج أفضل لصالح إيران، ولكن هكذا هي إسرائيل تبدو في كل حرب كما الطفل المدلل لدى أمريكا والغرب.